لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين
الوسع: ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه، أي: لا يكلفها إلا ما يتسع فيه طوقه ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود، وهذا إخبار عن عدله ورحمته كقوله تعالى:
يريد الله بكم اليسر : [البقرة: 185] لأنه كان في إمكان الإنسان وطاقته أن يصلي أكثر من الخمس، ويصوم أكثر من الشهر، ويحج أكثر من حجة، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة : (وسعها) بالفتح.
لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت : ينفعها ما كسبت من خير ويضرها ما اكتسبت من شر، لا يؤاخذ بذنبها غيرها ولا يثاب غيرها بطاعتها.
فإن قلت: لم خص الخير بالكسب والشر بالاكتساب؟ قلت: في الاكتساب اعتمال، فلما كان الشر مما تشتهيه النفس - وهي منجذبة إليه وأمارة به - كانت في تحصيله أعمل وأجد، فجعلت لذلك مكتسبة فيه، ولما لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال، أي: لا تؤاخذنا بالنسيان أو الخطأ إن فرط منا.
فإن قلت: النسيان والخطأ متجاوز عنهما، فما معنى الدعاء بترك المؤاخذة بهما؟ قلت: ذكر النسيان والخطأ والمراد بهما ما هما
[ ص: 521 ] مسببان عنه من التفريط والإغفال، ألا ترى إلى قوله:
وما أنسانيه إلا الشيطان [الكهف: 63] والشيطان لا يقدر على فعل النسيان، وإنما يوسوس فتكون وسوسته سببا للتفريط الذي منه النسيان، ولأنهم كانوا متقين الله حق تقاته، فما كانت تفرط منهم فرطة إلا على وجه النسيان والخطأ، فكان وصفهم بالدعاء بذلك إيذانا ببراءة ساحتهم عما يؤاخذون به، كأنه قيل: إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به، فما فيهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان، ويجوز أن يدعو الإنسان بما علم أنه حاصل له قبل الدعاء من فضل الله لاستدامته والاعتداد بالنعمة فيه.
والإصر: العبء الذي يأصر حامله أي: يحبسه مكانه لا يستقل به لثقله، استعير للتكليف الشاق، من نحو قتل الأنفس، وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب وغير ذلك، وقرئ: (آصارا) على الجمع، وفي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي: (ولا تحمل علينا) بالتشديد.
فإن قلت: أي فرق بين هذه التشديدة والتي في
ولا تحملنا ؟ قلت: هذه للمبالغة في (حمل) عليه، وتلك لنقل (حمله) من مفعول واحد إلى مفعولين
ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به : من العقوبات النازلة بمن قبلنا، طلبوا الإعفاء عن التكليفات الشاقة التي كلفها من قبلهم، ثم عما نزل عليهم من العقوبات على تفريطهم في المحافظة عليها، وقيل: المراد به الشاق الذي لا يكاد يستطاع من التكاليف، وهذا تكرير لقوله:
ولا تحمل علينا إصرا : "مولانا": سيدنا ونحن عبيدك، أو ناصرنا، أو متولي أمورنا، "فانصرنا": فمن حق المولى أن ينصر عبيده، أو فإن ذلك عادتك، أو فإن ذلك من أمورنا التي عليك توليها.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657188 "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دعا بهذه الدعوات، قيل له عند كل كلمة: قد فعلت" وعنه عليه الصلاة والسلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654624 "من قرأ الآيتين من [ ص: 522 ] آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه".
وعنه عليه الصلاة والسلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=701428 "أوتيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن نبي قبلي".
وعنه -عليه السلام-:
"أنزل الله [ ص: 523 ] آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة، من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل".
فإن قلت:
هل يجوز أن يقال: قرأت سورة البقرة أو قرأت البقرة؟ قلت: لا بأس بذلك، وقد جاء في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=654624 -"من آخر سورة البقرة" و
nindex.php?page=hadith&LINKID=910458 "خواتيم سورة البقرة" و
"خواتيم البقرة". وعن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه -:"خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش".
nindex.php?page=hadith&LINKID=669281وعن nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - أنه رمى الجمرة ثم قال: "من ههنا - والذي لا إله غيره - رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة". [ ص: 524 ] ولا فرق بين هذا وبين قولك: سورة الزخرف، وسورة الممتحنة، وسورة المجادلة، وإذا قيل: قرأت البقرة لم يشكل أن المراد سورة البقرة كقوله:
واسأل القرية [يوسف: 82].
وعن بعضهم أنه كره ذلك وقال: يقال: قرأت السورة التي تذكر فيها البقرة.
عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"السورة التي تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن فتعلموها؛ فإن تعلمها بركة وتركها حسرة ولن تستطيعها البطلة. قيل: وما البطلة؟ قال: السحرة".