وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا
أي لا يأملون لقاءنا بالخير لأنهم كفرة . أو لا يخافون لقاءنا الشر . والرجاء في لغة
تهامة الخوف ، وبه فسر قوله تعالى :
لا ترجون لله وقارا [نوح : 13 ] جعلت الصيرورة إلى دار جزائه بمنزلة لقائه لو كان ملقيا . اقترحوا من الآيات أن ينزل الله عليهم الملائكة فتخبرهم بأن
محمدا صادقا حتى يصدقوه . أو يروا الله جهرة فيأمرهم بتصديقه واتباعه . ولا يخلو : إما أن يكونوا عالمين بأن الله لا يرسل الملائكة إلى غير الأنبياء ، وأن الله لا يصح أن يرى . وإنما علقوا عالمين بأن الله لا يكون . وإما ألا يكونوا عالمين بذلك وإنما أرادوا التعنت باقتراح آيات سوى الآيات التي نزلت وقامت بها الحجة عليهم ، كما فعل قوم
موسى حين قالوا : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . فإن قلت : ما معنى
في أنفسهم ؟ قلت : معناه أنهم أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه . كما قال :
إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه [غافر : 56 ] .
"وعتوا" وتجاوزوا الحد في الظلم . يقال : عتا علينا فلان . وقد وصف العتو بالكبير ، فبالغ في إفراطه يعني أنهم لم يخسروا على هذا القول العظيم ، إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو ، واللام جواب قسم محذوف . وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية ، وفي أسلوبها قول القائل [من الطويل ] :
وجارة جساس أبأنا بنابها كليبا غلت ناب كليب بواؤها
[ ص: 342 ] وفي فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ التعجب . ألا ترى أن المعنى : ما أشد استكبارهم ، وما أكبر عتوهم ، وما أغلى نابا بواؤها كليب .