وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا
ليس ها هنا قدوم ولا ما يشبه القدوم ، ولكن مثلا حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم ، وإغاثة ملهوف ، وقرى ضيف ، ومن على أسير ، وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه ، فقدم إلى أشيائهم ، وقصد إلى ما تحت أيديهم فأفسدها ومزقها كل ممزق ، ولم يترك لها أثرا ولا عثيرا والهباء : ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شبيه الغبار . وفي أمثالهم : أقل من الهباء
"منثورا" صفة للهباء ، شبهه بالهباء في قلته وحقارته عنده ، وأنه لا ينتفع به ، ثم بالمنثور منه ؛ لأنك تراه منتظما مع الضوء ، فإذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب كل مذهب . ونحوه قوله :
كعصف مأكول [الفيل : 5 ] لم يكف أن شبههم بالعصف حتى جعله مؤوفا
[ ص: 344 ] بالأكال ولا أن شبه عملهم بالهباء حتى جعله متناثرا . أو مفعول ثالث لجعلناه أي فجعلناه جامعا لحقارة الهباء والتناثر ، كقوله :
كونوا قردة خاسئين [البقرة : 65 ] ، أي جامعين للمسخ والخسء . ولام الهباء واو ، بدليل الهبوة .