فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد فإن حاجوك : فإن جادلوك في الدين
فقل أسلمت وجهي لله أي: أخلصت نفسي وجملتي لله وحده لم أجعل فيها لغيره شركا بأن أعبده وأدعوه إلها معه، يعني أن ديني التوحيد وهو الدين القديم الذي ثبتت عندكم صحته كما ثبتت عندي، وما جئت بشيء بديع حتى تجادلوني فيه، ونحوه
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا [آل عمران : 64] فهو دفع للمحاجة بأن ما هو عليه ومن معه من المؤمنين هو حق اليقين الذي لا لبس فيه; فما معنى المحاجة فيه؟!
ومن اتبعن : عطف على التاء في "أسلمت" وحسن للفاصل، ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع فيكون مفعولا معه
وقل للذين أوتوا الكتاب : من اليهود والنصارى "والأميين": والذين لا كتاب لهم من مشركي
العرب: "أأسلمتم" يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضي حصوله لا محالة، فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم؟ وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقا إلا سلكته: هل فهمتها لا أم لك؟! ومنه قوله عز وعلا:
فهل أنتم منتهون [المائدة: 91] بعدما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر، وفي هذا الاستفهام استقصار وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف; لأن المنصف إذا تجلت له الحجة لم يتوقف إذعانه للحق، وللمعاندة بعد تجلي الحجة ما يضرب أسدادا بينه وبين الإذعان، وكذلك في: هل فهمتها؟ توبيخ بالبلادة وكلة القريحة، وفي
[ ص: 540 ] فهل أنتم منتهون [المائدة: 91] بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه.
فإن أسلموا فقد اهتدوا : فقد نفعوا أنفسهم حيث خرجوا من الضلال إلى الهدى ومن الظلمة إلى النور
وإن تولوا : لم يضروك فإنك رسول منبه عليك أن تبلغ الرسالة وتنبه على طريق الهدى.