واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين
كان
إبراهيم عليه السلام يعلم أنهم عبدة أصنام ؛ ولكنه سألهم ليريهم أن ما يعبدونه ليس من استحقاق العبادة في شيء ، كما تقول للتاجر : ما مالك ؟ وأنت تعلم أن ماله الرقيق ، ثم تقول له : الرقيق جمال وليس بمال . فإن قلت : "ما تعبدون" سؤال عن المعبود فحسب ، فكان القياس أن يقولوا : أصناما ، كقوله تعالى :
يسألونك عن الخمر والميسر قل [البقرة : 219 ] ،
ماذا قال ربكم قالوا الحق [سبأ : 23 ] ،
ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا [النحل : 30 ] . قلت : هؤلاء قد جاءوا بقصة أمرهم كاملة كالمبتهجين بها والمفتخرين ، فاشتملت على جواب
إبراهيم ، وعلى ما قصدوه من إظهار ما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار . ألا تراهم كيف عطفوا على قولهم نعبد
فنظل لها عاكفين ولم يقتصروا على
[ ص: 397 ] زيادة نعبد وحده . ومثاله أن تقول لبعض الشطار : ما تلبس في بلادك ؟ فيقول : ألبس البرد الأتحمي ، فأجر ذيله بين جواري الحي . وإنما قالوا : نظل ، لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل .