وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين اليم : البحر . قيل : هو نيل
مصر . فإن قلت : ما المراد بالخوفين حتى أوجب أحدهما ونهى عن الآخر ؟ قلت : أما الأول فالخوف عليه من القتل ؛ لأنه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته فينموا عليه . وأما الثاني ، فالخوف عليه من الغرق ومن الضياع ومن الوقوع في يد بعض العيون المبثوثة من قبل فرعون في تطلب الولدان ، وغير ذلك من المخاوف . فإن قلت : ما الفرق بين الخوف والحزن ؟ قلت : الخوف غم يلحق الإنسان لمتوقع . والحزن : غم يلحقه لواقع وهو فراقه والإخطار به ، فنهيت عنهما جميعا ، وأومنت بالوحي إليها ، ووعدت ما يسليها ويطامن قلبها ويملؤها غبطة وسرورا : وهو رده إليها وجعله من المرسلين . وروي : أنه ذبح في طلب
موسى عليه السلام تسعون ألف وليد . وروي : أنها حين أقربت وضربها الطلق وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى
بني إسرائيل مصافية لها ، فقالت لها : لينفعني حبك اليوم ، فعالجتها ، فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه ، وارتعش كل مفصل منها ، ودخل حبه قلبها ، ثم قالت : ما جئتك إلا لأقبل مولودك وأخبر
فرعون ، ولكني وجدت لابنك حبا ما وجدت مثله فاحفظيه ، فلما خرجت جاء عيون
فرعون ، فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها ، فطلبوا فلم يجدوا شيئا ، فخرجوا وهي لا تدري مكانه ، فسمعت بكاءه من التنور ، فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما ، فلما ألح
فرعون في طلب الولدان أوحى الله إليها فألقته في اليم . وقد روي أنها أرضعته ثلاثة أشهر في تابوت من بردي مطلي بالقار من داخله .