قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون
يقال : ردأته : أعنته . والردء : اسم ما يعان به ، فعل بمعنى مفعول كما أن الدفء اسم لما يدفأ به ؛ قال
سلامة بن جندل [من الوافر ] :
وردئي كل أبيض مشرفي . . . شحيذ الحد عضب ذي فلول
وقرئ : "ردا" على التخفيف ، كما قرئ : "الخب"
ردءا يصدقني بالرفع والجزم صفة وجواب ، ونحو
وليا يرثني [مريم : 5 - 6 ] سواء . فإن قلت : تصديق أخيه ما الفائدة فيه ؟ قلت : ليس الغرض بتصديقه أن يقول له : صدقت ، أو يقول للناس : صدق
موسى ، وإنما هو أن يلخص بلسانه الحق ، ويبسط القول فيه ، ويجادل به الكفار ، كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة ، فذلك جار مجرى التصديق المفيد ، كما يصدق القول بالبرهان . ألا ترى إلى قوله :
وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ، وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك ، لا لقوله : صدقت ، فإن سحبان وباقلا يستويان فيه ، أو يصل جناح كلامه بالبيان ، حتى يصدقه الذي يخاف تكذيبه ، فأسند التصديق إلى
هارون ، لأنه السبب فيه إسنادا مجازيا . ومعنى الإسناد المجازي : أن التصديق حقيقة في المصدق ، فإسناده إليه حقيقة وليس في السبب تصديق ، ولكن استعير له الإسناد لأنه لابس التصديق بالتسبب كما لابسه الفاعل بالمباشرة . والدليل على هذا الوجه قوله :
إني أخاف أن يكذبون وقراءة من قرأ : "ردءا يصدقوني " . وفيها تقوية للقراءة بجزم يصدقني .