[ ص: 508 ] وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين
فإن قلت : ما معنى قوله :
وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ؟ قلت : معناه : ودعوناهم أئمة دعاة إلى النار ، وقلنا : إنهم أئمة دعاة إلى النار ، كما يدعى خلفاء الحق أئمة دعاة إلى الجنة . وهو من قولك : جعله بخيلا وفاسقا ، إذا دعاه وقال : إنه بخيل وفاسق . ويقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله : جعله بخيلا وفاسقا . ومنه قوله تعالى :
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف : 19 ] ومعنى دعوتهم إلى النار : دعوتهم إلى موجباتها من الكفر والمعاصي
ويوم القيامة لا ينصرون كما ينصر الأئمة الدعاة إلى الجنة . ويجوز : خذلناهم حتى كانوا أئمة الكفر . ومعنى الخذلان : منع الألطاف ، وإنما يمنعها من علم أنها لا تنفع فيه ، وهو المصمم على الكفر الذي لا تغني عنه الآيات والنذر ، ومجراه مجرى الكناية ؛ لأن منع الألطاف يردف التصميم ، والغرض بذكره : التصميم نفسه ، فكأنه قيل : صمموا على الكفر حتى كانوا أئمة فيه دعاة إليه وإلى سوء عاقبته . فإن قلت : فأي فائدة في ترك المردوف إلى الرادفة ؟ قلت : ذكر الرادفة يدل على وجود المردوف فيعلم وجود المردوف مع الدليل الشاهد بوجوده ، فيكون أقوى لإثباته من ذكره . ألا ترى أنك تقول : لولا أنه مصمم على الكفر مقطوع أمره مثبوت حكمه لما منعت منه الألطاف ؟ فبذكر منع الألطاف يحصل العلم بوجود التصميم على الكفر وزيادة ، وهو قيام الحجة على وجوده . وينصر هذا الوجه قوله :
ويوم القيامة لا ينصرون كأنه قيل : وخذلناهم في الدنيا وهم يوم القيامة مخذولون ، كما قال :
وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة أي طردا وإبعادا عن الرحمة
ويوم القيامة هم من المقبوحين أي من المطرودين المبعدين .