ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين "ولولا" الأولى امتناعية وجوابها محذوف ، والثانية تحضيضية ، وإحدى الفاءين للعطف ، والأخرى جواب لولا ، لكونها في حكم الأمر ، من قبل أن الأمر باعث على الفعل ، والباعث والمحضض من واد واحد . والمعنى : ولولا أنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي : هلا أرسلت إلينا رسولا ، محتجين علينا بذلك : لما أرسلنا إليهم ، يعني : أن إرسال الرسول إليها إنما هو ليلزموا الحجة ولا يلزموها ، كقوله :
لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [النساء : 165 ] ،
أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ،
لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك [طه : 134 ] . فإن قلت : كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول ، لدخول حرف الامتناع عليها دونه ؟ قلت : القول هو المقصود بأن يكون سببا لإرسال الرسل ، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها ، جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول ، فأدخلت عليها لولا ، وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية ، ويؤول معناه إلى قولك : ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا ، ولكن اختيرت هذه
[ ص: 511 ] الطريقة لنكتة : وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلا على كفرهم وقد عاينوا ما ألجئوا به إلى العلم اليقين : لم يقولوا :
لولا أرسلت إلينا رسولا [طه :134 ] وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم . وفي هذا من الشهادة القوية على استحكام كفرهم ورسوخه فيهم ما لا يخفى ، كقوله تعالى :
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه [الأنعام : 28 ] . ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي : جعل كل عمل معبرا عنه باجتراح الأيدي وتقدم الأيدي وإن كان من أعمال القلوب ، وهذا من الاتساع في الكلام وتصيير الأقل تابعا للأكثر وتغليب الأكثر على الأقل .