أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون في أنفسهم يحتمل أن يكون ظرفا ، كأنه قيل : أولم يحدثوا التفكر في أنفسهم ، أي : في قلوبهم الفارغة من الفكر ، والتفكر لا يكون إلا في القلوب ، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين ، كقولك : اعتقده في قلبك وأضمره في نفسك ، وأن يكون صلة للتفكر ، كقولك : تفكر في الأمر وأجال فيه فكره . و
ما خلق متعلق بالقول المحذوف ، معناه : أولم يتفكروا فيقولوا هذا القول . وقيل : معناه : فيعلموا ، لأن في الكلام دليلا عليه
إلا بالحق وأجل مسمى أي ما خلقها باطلا وعبثا بغير غرض صحيح وحكمة بالغة ، ولا لتبقى خالدة : إنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة ، وبتقدير أجل مسمى لا بد لها من أن تنتهي إليه ، وهو قيام الساعة ووقت الحساب والثواب والعقاب . ألا ترى إلى قوله تعالى :
أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون [المؤمنون : 115 ] كيف سمي تركهم غير راجعين إليه عبثا . والباء في قوله :
إلا بالحق مثلها في قولك : دخلت عليه بثياب السفر ، واشترى الفرس بسرجه ولجامه ، تريد : اشتراه وهو ملتبس بالسرج واللجام ، غير منفك عنهما . وكذلك المعنى ما خلقها إلا وهي ملتبسة بالحق مقترنة به ، فإن قلت : إذا جعلت
في أنفسهم صلة للتفكر ، فما معناه ؟ قلت : معناه : أولم يتفكروا في أنفسهم التي هي أقرب إليهم من غيرها من المخلوقات ، وهم أعلم وأخبر بأحوالها منهم بأحوال ما عداها ، فتدبروا ما أودعها الله ظاهرا وباطنا من غرائب الحكم الدالة على التدبير دون
[ ص: 567 ] الإهمال وأنه لا بد لها من انتهاء إلى وقت يجازيها فيه الحكم الذي دبر أمرها على الإحسان إحسانا وعلى الإساءة مثلها ، حتى يعلموا عند ذلك أن سائر الخلائق كذلك أمرها جار على الحكمة والتدبير وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى ذلك الوقت ، والمراد
بلقاء ربهم : الأجل المسمى .