وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين [ ص: 189 ] كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : شاعر ، وروي أن القائل :
عقبة بن أبي معيط ، فقيل :
وما علمناه الشعر أي : وما علمناه بتعليم القرآن الشعر ، على معنى : أن القرآن ليس بشعر وما هو من الشعر في شيء ، وأين هو عن الشعر ، والشعر إنما هو كلام موزون مقفى ، يدل على معنى ، فأين الوزن ؟ وأين التقفية ؟ وأين المعاني التي ينتحيها الشعراء عن معانيه ؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه ؟ فإذا لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت ، اللهم إلا أن هذا لفظه عربي ، كما أن ذاك كذلك
وما ينبغي له وما يصح له ولا يتطلب لو طلبه ، أي : جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل ، كما جعلناه أميا لا يتهدى للخط ولا يحسنه ، لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل : كان الشعر أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كثير من الكلام ، ولكن كان لا يتأتى له . فإن قلت : فقوله :
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
وقوله :
هل أنت إلا أصبع دميت وفى سبيل الله ما لقيت
[ ص: 190 ] قلت : ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة ، من غير صنعة ولا تكلف ، إلا أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه إن جاء موزونا ، كما يتفق في كثير من إنشاآت الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعرا ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر ، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز ، على أن
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل ما كان يعد المشطور من الرجز شعرا ، ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر ، قال :
إن هو إلا ذكر وقرآن مبين يعني : ما هو إلا ذكر من الله تعالى يوعظ به الإنس والجن ، كما قال :
إن هو إلا ذكر للعالمين [التكوير : 27 ] وما هو إلا قرآن كتاب سماوي ، يقرأ في المحاريب ، ويتلى في المتعبدات ، وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين ، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين ؟ "لينذر " القرآن أو الرسول ، وقرئ : (لتنذر ) بالتاء . ولينذر : من نذر به إذا علمه
من كان حيا أي عاقلا متأملا ; لأن الغافل كالميت ، أو معلوما منه أنه يؤمن فيحيا بالإيمان
ويحق القول وتجب كلمة العذاب
على الكافرين الذي لا يتأملون ولا يتوقع منهم الإيمان .