هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالو النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار
"هذا" أي الأمر هذا، أو هذا كما ذكر.
فبئس المهاد ، كقوله:
لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش [الأعراف: 41] شبه ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم، أي: هذا حميم فليذوقوه. أو العذاب هذا فليذوقوه، ثم ابتدأ فقال: هو
حميم وغساق أو: هذا فليذوقوه بمنزلة
وإياي فارهبون [البقرة: 40] أي: ليذوقوا هذا فليذوقوه، والغساق -بالتخفيف والتشديد-: ما يغسق من صديد أهل النار، يقال: غسقت العين، إذا سال دمعها. وقيل: الحميم يحرق بحره، والغساق يحرق ببرده. وقيل: لو قطرت منه
[ ص: 277 ] قطرة في المشرق لنتنت أهل المغرب، ولو قطرت منه قطرة في المغرب لنتنت أهل المشرق. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن رضي الله عنه. الغساق: عذاب لا يعلمه إلا الله تعالى، إن الناس أخفقوا لله طاعة فأخفى لهم ثوابا في قوله:
فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [السجدة: 17] وأخفوا معصية فأخفى لهم عقوبة. "وآخر" ومذوقات أخر من شكل هذا المذوق من مثله في الشدة والفظاعة. "أزواج" أجناس. وقرئ: (وآخر) أي: وعذاب آخر، أو مذوق آخر. وأزواج: صفة لآخر; لأنه يجوز أن يكون ضروبا، أو صفة للثلاثة وهي: حميم، وغساق، وآخر من شكله. وقرئ: (من شكله) بالكسر وهي لغة. وأما الغنج فبالكسر لا غير.
هذا فوج مقتحم معكم هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار، أي: دخل النار في صحبتكم وقرانكم، والاقتحام: ركوب الشدة والدخول فيها. والقحمة: الشدة. وهذه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض، أي: يقولون هذا. والمراد بالفوج: أتباعهم الذين اقتحموا معهم الضلالة، فيقتحمون معهم العذاب.
لا مرحبا بهم دعاء منهم على أتباعهم. تقول لمن تدعو له: مرحبا، أي: أتيت رحبا من البلاد لا ضيقا، أو رحبت بلادك رحبا، ثم تدخل عليه "لا" في دعاء السوء. و "بهم" بيان للمدعو عليهم.
إنهم صالو النار تعليل استيجابهم للدعاء عليهم. ونحوه قوله تعالى:
كلما دخلت أمة لعنت أختها [الأعراف: 38] وقيل: هذا فوج مقتحم معكم، كلام الخزنة لرؤساء الكفرة في أتباعهم. و
لا مرحبا بهم إنهم صالو النار كلام الرؤساء. وقيل: هذا كله كلام الخزنة "قالوا" أي: الأتباع
بل أنتم لا مرحبا بكم يريدون: الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحق به، وعللوا ذلك بقولهم:
أنتم قدمتموه لنا والضمير للعذاب أو لصلبهم. فإن قلت: ما معنى تقديمهم العذاب لهم؟ قلت: المقدم هو عمل السوء. قال الله تعالى:
ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم [الأنفال: 50- 51] ولكن الرؤساء لما كانوا السبب فيه بإغوائهم وكان العذاب جزاءهم عليه، قيل: أنتم قدمتموه لنا، فجعل الرؤساء هم المقدمين، وجعل الجزاء هو المقدم، فجمع بين مجازين; لأن العاملين هم المقدمون في الحقيقة لا رؤساؤهم، والعمل هو المقدم لا جزاؤه. فإن قلت: فالذي جعل قوله:
لا مرحبا بهم من كلام الخزنة ما يصنع بقوله:
بل أنتم لا مرحبا بكم والمخاطبون -أعني رؤساءهم- لم يتكلموا بما يكون هذا جوابا لهم؟ قلت: كأنه قيل: هذا الذي دعا به علينا الخزنة أنتم يا رؤساء أحق به منا لإغوائكم إيانا وتسببكم فيما نحن فيه من العذاب،
[ ص: 278 ] وهذا صحيح، كما لو زين قوم لقوم بعض المساوي فارتكبوه فقيل للمزينين: أخزى الله هؤلاء ما أسوأ فعلهم؟ فقال المزين لهم للمزينين: بل أنتم أولى بالخزي منا، فلولا أنتم لم نرتكب ذلك، "قالوا" هم الأتباع أيضا
فزده عذابا ضعفا أي: مضاعفا، ومعناه: ذا ضعف: ونحوه قوله تعالى:
ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا [الأعراف: 38] وهو أن يزيد على عذابه مثله فيصير ضعفين، كقوله عز وجل:
ربنا آتهم ضعفين من العذاب [الأحزاب: 68] وجاء في التفسير
عذابا ضعفا : حيات وأفاعي.