فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين فإن يصبروا لم ينفعهم الصبر، ولم ينفكوا به من الثواء في النار،
وإن يستعتبوا وإن يسألوا العتبى وهي الرجوع لهم إلى ما يحبون جزعا مما هم فيه: لم يعتبوا : لم يعطوا العتبى ولم يجابوا إليها، ونحوه قوله عز وعلا:
أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص [إبراهيم: 21] وقرئ: (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) أي: إن سألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون، أي: لا سبيل لهم إلى ذلك.
وقيضنا لهم وقدرنا لهم، يعني لمشركي مكة، يقال: هذان ثوبان قيضان: إذا كانا متكافئين. والمقايضة: المعاوضة "قرناء" أخدانا من الشياطين جمع قرين، كقوله تعالى:
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين [الزخرف: 36] فإن قلت: كيف جاز أن يقيض لهم القرناء من الشياطين وهو ينهاهم عن اتباع خطواتهم؟ قلت: معناه أنه خذلهم ومنعهم التوفيق; لتصميمهم على الكفر، فلم يبق لهم قرناء سوى الشياطين. والدليل عليه
ومن يعش نقيض.
أيديهم وما خلفهم ما تقدم من أعمالهم وما هم عازمون عليها، أو بين
[ ص: 380 ] أيديهم من أمر الدنيا واتباع الشهوات، وما خلفهم: من أمر العاقبة، وأن لا بعث ولا حساب.
وحق عليهم القول يعني كلمة العذاب
في أمم في جملة أمم. ومثل في هذه ما في قوله [من المنسرح]:
إن تك عن أحسن الصنيعة مأ فوكا ففى آخرين قد أفكوا
يريد: فأنت في جملة آخرين، وأنت في عداد آخرين لست في ذلك بأوحد. فإن قلت: "فى أمم" ما محله؟ قلت: محله النصب على الحال من الضمير في "عليهم" أي: حق عليهم القول كائنين في جملة أمم.
إنهم كانوا خاسرين تعليل لاستحقاقهم العذاب. والضمير لهم وللأمم.