وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض
هذا أيضا ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة، وكأنه لم يلق بؤسا قط فنسي المنعم وأعرض عن شكره
ونأى بجانبه أي: ذهب بنفسه وتكبر
[ ص: 389 ] وتعظم. وإن مسه الضر والفقر: أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع. وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الأجرام ويستعار له الطويل أيضا كما استعير الغلظ بشدة العذاب. وقرئ (ونأى بجانبه) بإمالة الألف وكسر النون للإتباع. وناء على القلب، كما قالوا: راء في رأي. فإن قلت: حقق لي معنى قوله تعالى:
ونأى بجانبه قلت: فيه وجهان: أن يوضع جانبه موضع نفسه كما ذكرنا في قوله تعالى:
على ما فرطت في جنب الله [الزمر: 56] أن مكان الشيء وجهته ينزل منزلة الشيء نفسه، ومنه قوله [من الوافر]:
.........وتقيت عنه مقام الذئب.
.. .. .. ..
يريد: ونفيت عنه الذئب. ومنه:
ولمن خاف مقام ربه [الرحمن: 46] ومنه قول الكتاب: حضرت فلان ومجلسه، وكتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز، يريدون نفسه وذاته، فكأنه قال: ونأى بنفسه، كقولهم في المتكبر: ذهب بنفسه، وذهبت به الخيلاء كل مذهب، وعصفت به الخيلاء; وأن يراد بجانبه: عطفه، ويكون عبارة عن الانحراف والازورار; كما قالوا: ثنى عطفه، وتولى بركنه.