ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير
"لبغوا" من البغي وهو الظلم، أي: لبغى هذا على ذاك، وذاك على هذا; لأن الغنى مبطرة مأشرة، وكفى بحال قارون عبرة. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=651372 "أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها" ولبعض العرب [من الطويل]:
[ ص: 409 ] وقد جعل الوسمي ينبت بيننا وبين بني رومان نبعا وشوحطا
يعني: أنهم أحيوا فحدثوا أنفسهم بالبغي والتفانن، أو من البغي وهو البذخ والكبر، أي: لتكبروا في الأرض، وفعلوا ما يتبع الكبر من الغلو فيها والفساد. وقيل: نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى. قال
nindex.php?page=showalam&ids=211خباب ابن الأرت: فينا نزلت، وذلك أنا نظرنا إلى أموال
بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها "بقدر" بتقدير. يقال قدره قدرا وقدرا.
خبير بصير يعرف ما يؤول إليه أحوالهم، فيقدر لهم ما هو أصلح لهم وأقرب إلى جمع شملهم، فيفقر ويغني، ويمنع ويعطي، ويقبض ويبسط كما توجبه الحكمة الربانية. ولو أغناهم جميعا لبغوا، ولو أفقرهم لهلكوا. فإن قلت: قد نرى الناس يبغي بعضهم على بعض، ومنهم مبسوط لهم، ومنهم مقبوض عنهم; فإن كان المبسوط لم يبغون، فلم بسط لهم، وإن كان المقبوض عنهم يبغون فقد يكون البغي بدون البسط، فلم شرطه؟ قلت: لا شبهة في أن البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب، وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغي والإحجام عنه، فلو عم البسط لغلب البغي حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه الآن.