وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون
قرئ: (براء) بفتح الباء وضمها. وبريء، فبريء وبراء، نحو كريم وكرام; وبراء: مصدر كظماء; ولذلك استوى فيه الواحد والاثنان والجماعة، والمذكر والمؤنث. يقال: نحن البراء منك، والخلاء منك.
الذي فطرني فيه غير وجه: أن يكون منصوبا على أنه استثناء منقطع، كأنه قال: لكن الذي فطرني فإنه سيهدين، وأن يكون مجرورا بدلا من المجرور بمن; كأنه قال: إنني براء مما تعبدون إلا من الذي فطرني. فإن قلت: كيف تجعله بدلا وليس من جنس ما يعبدون من وجهين، أحدهما: أن ذات الله مخالفة لجميع الذوات، فكانت مخالفة لذوات ما يعبدون. والثاني: أن الله تعالى غير معبود بينهم والأوثان معبودة؟ قلت: قالوا: كانوا يعبدون الله مع أوثانهم، وأن تكون "إلا" صفة بمعنى غير، على أن "ما" في ( ما تعبدون ) موصوفة. تقديره: إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني، فهو نظير قوله تعالى:
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [الأنبياء: 22]. فإن قلت: ما معنى قوله: "سيهدين" على التسويف؟ قلت: قال مرة:
فهو يهدين [الشعراء: 78] ومرة
فإنه سيهدين فاجمع بينهما وقدر، كأنه قال. فهو يهدين وسيهدين، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال. "وجعلها" وجعل
إبراهيم صلوات الله عليه كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله:
إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني كلمة باقية في عقبه في ذريته، فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده، لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم. ونحوه
ووصى بها إبراهيم بنيه [ ص: 437 ] [البقرة: 132] وقيل: وجعلها الله. وقرئ: (كلمة) على التخفيف وفى عقبه كذلك، وفى عاقبه، أي: فيمن عقبه، أي: خلفه.