ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين يسارعون في الكفر : يقعون فيه سريعا ويرغبون فيه أشد رغبة، وهم الذين نافقوا من المتخلفين، وقيل: هم قوم ارتدوا عن الإسلام.
فإن قلت: فما معنى قوله:
ولا يحزنك ؟ ومن حق الرسول أن يحزن لنفاق من نافق وارتداد من ارتد؟ قلت: معناه: لا يحزنوك لخوف أن يضروك ويعينوا عليك، ألا ترى إلى قوله:
إنهم لن يضروا الله شيئا يعني أنهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم، وما وبال ذلك عائدا على غيرهم، ثم بين كيف يعود وباله عليهم بقوله:
يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة أي: نصيبا من الثواب "ولهم": بدل الثواب
عذاب عظيم : وذلك أبلغ ما ضر به الإنسان نفسه.
فإن قلت: هلا قيل: لا يجعل الله لهم حظا في الآخرة، وأي فائدة في ذكر الإرادة؟ قلت: فائدته الإشعار بأن الداعي إلى حرمانهم وتعذيبهم قد خلص خلوصا لم يبق معه صارف قط حين سارعوا في الكفر; تنبيها على تماديهم في الطغيان وبلوغهم الغاية فيه، حتى إن أرحم الراحمين يريد أن لا يرحمهم.
إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان إما أن يكون تكريرا لذكرهم للتأكيد والتسجيل عليهم بما أضاف إليهم، وإما أن يكون عاما للكفار، والأول خاصا فيمن نافق من المتخلفين، أو ارتد عن الإسلام أو على العكس، و"شيئا": نصب على المصدر; لأن المعنى: شيئا من الضرر وبعض الضرر
الذين كفروا فيمن قرأ بالتاء نصب و
أنما نملي لهم خير لأنفسهم بدل منه أي: ولا تحسبن أن ما نملي للكافرين خير لهم و"أن": مع ما في حيزه ينوب عن المفعولين، كقوله:
أم تحسب أن أكثرهم يسمعون [الفرقان: 44]، و"ما" مصدرية، بمعنى: ولا تحسبن أن إملاءنا خير، وكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة، ولكنها وقعت في الإمام متصلة فلا يخالف، وتتبع سنة الإمام في خط المصاحف.
فإن قلت: كيف صح مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد؟
[ ص: 664 ] قلت: صح ذلك من حيث إن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى، ألا تراك تقول: جعلت متاعك بعضه فوق بعض، مع امتناع سكوتك على متاعك، ويجوز أن يقدر مضاف محذوف، على: ولا تحسبن الذين كفروا أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم، أو ولا تحسبن حال الذين كفروا أن الإملاء خير لأنفسهم، وهو فيمن قرأ بالياء رفع، والفعل متعلق بأن وما في حيزه، والإملاء لهم: تخليتهم وشأنهم، مستعار من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء، وقيل: هو إمهالهم وإطالة عمرهم، والمعنى: ولا تحسبن أن الإملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم
أنما نملي لهم "ما" هذه حقها أن تكتب متصلة; لأنها كافة دون الأولى، وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها، كأنه قيل: ما بالهم لا يحسبون الإملاء خيرا لهم، فقيل: "إنما نملي لهم ليزدادوا إثما".
فإن قلت: كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضا لله تعالى في إملائه لهم؟ قلت: هو علة للإملاء، وما كل علة بغرض، ألا تراك تقول: قعدت عن الغزو للعجز والفاقة، وخرجت من البلد لمخافة الشر، وليس شيء منها بغرض لك، وإنما هي علل وأسباب، فكذلك ازدياد الإثم جعل علة للإمهال وسببا فيه.
فإن قلت: كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء كما كان العجز علة للقعود عن الحرب؟ قلت: لما كان في علم الله المحيط بكل شيء أنهم مزدادون إثما فكأن الإملاء وقع من أجله وبسببه على طريق المجاز.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340يحيى بن وثاب بكسر الأولى وفتح الثانية، و"لا يحسبن" بالياء، على معنى: ولا يحسبن الذين كفروا أن إملاءنا لازدياد الإثم كما يفعلون، وإنما هو ليتوبوا ويدخلوا في الإيمان، وقوله:
أنما نملي لهم خير لأنفسهم اعتراض بين الفعل ومعموله، ومعناه: أن إملاءنا خير لأنفسهم إن عملوا فيه وعرفوا إنعام الله عليهم بتفسيح المدة وترك المعاجلة بالعقوبة.
فإن قلت: فما معنى قوله:
ولهم عذاب مهين على هذه القراءة؟ قلت: معناه: ولا تحسبوا أن إملاءنا لزيادة الإثم وللتعذيب، والواو للحال، كأنه قيل: ليزدادوا إثما معدا لهم عذاب مهين.