إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون
هذا تقرير لما ألزمه من تولي الإصلاح بين من وقعت بينهم المشاقة من المؤمنين، وبيان أن الإيمان قد عقد بين أهله من السبب القريب والنسب اللاصق: ما إن لم يفضل الأخوة ولم يبرز عليها لم ينقص عنها ولم يتقاصر عن غايتها. ثم قد جرت عادة الناس على أنه إذا نشب مثل ذلك بين اثنين من إخوة الولاد، لزم السائر أن يتناهضوا في رفعه وإزاحته، ويركبوا الصعب والذلول مشيا بالصلح وبثا للسفراء بينهما، إلى أن يصادف ما وهي من الوفاق من يرقعه، وما استشن من الوصال من يبله; فالأخوة في الدين أحق بذلك وبأشد منه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم:
"المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله ، ولا يعيبه، ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عنه الريح إلا بإذنه، ولا يؤذيه بقتار قدره" ثم قال: "احفظوا، ولا يحفظ منكم إلا قليل". فإن قلت: فلم خص الاثنان
[ ص: 574 ] بالذكر دون الجمع؟ قلت: لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان; فإذا لزمت المصالحة بين الأقل كانت بين الأكثر ألزم; لأن الفساد في شقاق الجمع أكثر منه في شقاق الاثنين، وقيل: المراد بالأخوين
الأوس والخزرج، وقرئ: (بين إخوتكم وإخوانكم) والمعنى: ليس المؤمنون إلا إخوة، وأنهم خلص لذلك متمحضون، قد انزاحت عنهم شبهات الأجنبية، وأبى لطف حالهم في التمازج والاتحاد أن يقدموا على ما يتولد منه التقاطع، فبادروا قطع ما يقع من ذلك إن وقع واحسموه،
واتقوا الله فإنكم إن فعلتم لم تحملكم التقوى إلا على التواصل والائتلاف، والمسارعة إلى إماطة ما يفرط منه، وكان عند فعلكم ذلك وصول رحمة الله إليكم، واشتمال رأفته عليكم حقيقا بأن تعقدوا به رجاءكم.