إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا [ ص: 612 ] قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم آخذين ما آتاهم ربهم قابلين لكل ما أعطاهم راضين به، يعني أنه ليس فيما آتاهم إلا ما هو ملتقى بالقبول مرضى غير مسخوط; لأن جميعه حسن طيب. ومنه قوله تعالى:
ويأخذ الصدقات [التوبة: 104] أي يقبلها ويرضاها "محسنين" قد أحسنوا أعمالهم، وتفسير إحسانهم ما بعده "ما" مزيدة. والمعنى: كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل إن جعلت قليلا ظرفا، ولك أن تجعله صفة للمصدر، أي: كانوا يهجعون هجوعا قليلا. ويجوز أن تكون "ما" مصدرية أو موصولة، على: كانوا قليلا من الليل هجوعهم، أو ما يهجعون فيه، وارتفاعه بـ "قليلا" على الفاعلية. وفيه مبالغات لفظ الهجوع، وهو الفرار من النوم. قال [من السريع]:
قد حصت البيضة رأسي فما أطعم نوما غير تهجاع
[ ص: 613 ] وقوله: "قليلا" و
من الليل لأن الليل وقت السبات والراحة، وزيادة "ما" المؤكدة لذلك: وصفهم بأنهم يحيون الليل متهجدين، فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار، كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم. وقوله:
هم يستغفرون فيه أنهم هم المستغفرون الأحقاء بالاستغفار دون المصرين، فكأنهم المختصون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه. فإن قلت: هل يجوز أن تكون ما نافية كما قال بعضهم، وأن يكون المعنى: أنهم لا يهجعون من الليل قليلا، ويحيونه كله؟ قلت: لا; لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. تقول: زيدا لم أضرب، ولا تقول: زيدا ما ضربت: السائل: الذي يستجدي "والمحروم" الذي يحسب غنيا فيحرم الصدقة لتعففه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=668787 "ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان واللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان" قالوا: فما هو؟ قال: "الذي لا يجد ولا يتصدق عليه" وقيل: الذي لا ينمى له مال. وقيل: المحارف الذي لا يكاد يكسب.