وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا صدقاتهن : مهورهن ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح : قضى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لها بالصدقة ، وقرئ : "صدقاتهن" بفتح الصاد وسكون الدال على تخفيف صدقاتهن ، و "صدقاتهن" بضم الصاد وسكون الدال جمع صدقة بوزن غرفة ، وقرئ : "صدقتهن" ، بضم الصاد والدال على التوحيد ، وهو تثقيل صدقة ، كقولك في ظلمة : ظلمة .
نحلة : من نحله كذا إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلا ، ومنه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر - رضي الله عنه - : إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا بالعالية ، وانتصابها على المصدر لأن النحلة
[ ص: 18 ] والإيتاء بمعنى الإعطاء فكأنه قيل : وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة ، أي : أعطوهن مهورهن عن طيبة أنفسكم ، أو على الحال من المخاطبين ، أي : آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء ، أو من الصدقات ، أي : منحولة معطاة عن طيبة الأنفس ، وقيل : نحلة من الله عطية من عنده وتفضلا منه عليهن ، وقيل : النحلة الملة ، ونحلة الإسلام خير النحل ، وفلان ينتحل كذا : أي : يدين به ، والمعنى : آتوهن مهورهن ديانة ، على أنها مفعول لها ، ويجوز أن يكون حالا من الصدقات ، أي : دينا من الله شرعه وفرضه ، والخطاب للأزواج ، وقيل : للأولياء ، لأنهم كانوا يأخذون مهور بناتهم ، وكانوا يقولون : هنيئا لك النافجة ، لمن تولد له بنت ، يعنون : تأخذ مهرها فتنفج به مالك أي : تعظمه . الضمير في "منه" جار مجرى اسم الإشارة كأنه قيل عن شيء من ذلك ، كما قال الله تعالى :
قل أأنبئكم بخير من ذلكم [آل عمران : 15] بعد ذكر الشهوات ، ومن الحجج المسموعة من أفواه العرب ما روي عن رؤبة أنه قيل له في قوله [من الرجز] :
كأنه في الجلد توليع البهق
فقال : أردت كأن ذاك . أو يرجع إلى ما هو في معنى الصدقات وهو الصداق ، لأنك لو قلت : وآتوا النساء صداقهن ، لم تخل بالمعنى ، فهو نحو قوله :
فأصدق وأكن من الصالحين [المنافقون : 12] كأنه قيل : أصدق ، و
نفسا : تمييز ، وتوحيدها لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه ، والمعنى : فإن وهبن لكم شيئا من الصداق وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة أخلاقكم وسوء معاشرتكم
فكلوه : فأنفقوه . قالوا : فإن وهبت له ثم طلبت منه بعد الهبة ، علم أنها لم
[ ص: 19 ] تطب منه نفسا ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : أن رجلا أتى مع امرأته
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16097شريح : رد عليها . فقال الرجل : أليس قد قال الله تعالى :
فإن طبن لكم : قال : لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه ، وعنه : أقيلها فيما وهبت ولا أقيله ، لأنهن يخدعن ، وحكي أن رجلا من آل معيط أعطته امرأته ألف دينار صداقا كان لها عليه ، فلبث شهرا ثم طلقها ، فخاصمته إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان ، فقال الرجل : أعطتني طيبة بها نفسها ، فقال
عبد الملك : فأين الآية التي بعدها فلا تأخذوا منه شيئا؟ اردد عليها ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - أنه كتب إلى قضاته : إن النساء يعطين رغبة ورهبة . فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية فقال : "إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة لا يقضي به عليكم سلطان ولا يؤاخذكم الله به في الآخرة" ، وروي :
أن أناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحد منهم في شيء مما ساق إلى امرأته ، فقال الله تعالى إن طابت نفس واحدة من غير إكراه ولا خديعة فكلوه سائغا هنيئا ، وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط ، حيث بني الشرط على طيب النفس فقيل : فإن طبن ، ولم يقل : فإن وهبن أو سمحن ، إعلاما بأن المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة ، وقيل : فإن طبن لكم عن شيء منه ، ولم يقل : فإن طبن لكم عنها ، بعثا لهن على تقليل الموهوب ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد : لا يجوز تبرعها إلا باليسير ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : لا يجوز تبرعها ما لم تلد أو تقم في بيت زوجها سنة ، ويجوز أن يكون تذكير الضمير لينصرف إلى
الصداق الواحد ، فيكون متناولا بعضه ، ولو أنث لتناول ظاهره هبة الصداق كله ، لأن بعض الصدقات واحدة منها فصاعدا .
الهنيء والمريء : صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ ، إذا كان سائغا لا تنغيص فيه ، وقيل : الهنيء : ما يلذه الآكل ، والمريء ما يحمد عاقبته ، وقيل : هو ما ينساغ في مجراه ، وقيل : لمدخل الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة "المريء" لمروء
[ ص: 20 ] الطعام فيه وهو انسياغه ، وهما وصف للمصدر ، أي : أكلا هنيئا مريئا ، أو حال من الضمير ، أي : كلوه وهو هنيء مريء ، وقد يوقف على "فكلوه" ويبتدأ "هنيئا مريئا" على الدعاء ، وعلى أنهما صفتان أقيمتا مقام المصدرين ، كأنه قيل : هنأ مرأ ، وهذه عبارة عن التحليل والمبالغة في الإباحة وإزالة التبعة .