وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين [ ص: 254 ] السجود لله تعالى على سبيل العبادة، ولغيره على وجه التكرمة كما سجدت الملائكة
لآدم، وأبو يوسف وإخوته له؟ ويجوز أن تختلف الأحوال والأوقات فيه، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11962أبو جعفر : (للملائكة اسجدوا) بضم التاء للإتباع، ولا يجوز استهلاك الحركة الإعرابية بحركة الإتباع إلا في لغة ضعيفة، كقولهم: (الحمد لله).
إلا إبليس استثناء متصل; لأنه كان جنيا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم، فغلبوا عليه في قوله:
فسجدوا ثم استثني منهم استثناء واحد منهم، ويجوز أن يجعل منقطعا "أبى" امتنع مما أمر به "واستكبر" عنه
وكان من الكافرين من جنس كفرة الجن وشياطينهم، فلذلك أبى واستكبر، كقوله:
كان من الجن ففسق عن أمر ربه [الكهف: 50].
السكنى من السكون لأنها نوع من اللبث والاستقرار، و"أنت" تأكيد للمستكن في "اسكن" ليصح العطف عليه، و"رغدا" وصف للمصدر، أي: أكلا رغدا واسعا رافها، و"حيث": للمكان المبهم، أي: أي مكان من الجنة "شئتما": أطلق لهما الأكل من الجنة على وجه التوسعة البالغة المزيحة للعلة، حين لم يحظر عليهما بعض الأكل ولا بعض المواضع الجامعة للمأكولات من الجنة، حتى لا يبقى لهما عذر في التناول من شجرة واحدة بين أشجارها الفائتة للحصر، وكانت الشجرة فيما قيل: "الحنطة" أو "الكرمة" أو "التينة"، وقرئ: (ولا تقربا) بكسر التاء، و"هذي" و"الشجرة" بكسر الشين، و"الشيرة" بكسر الشين والياء، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو أنه كرهها، وقال يقرأ بها برابرة
مكة وسودانها.
من الظالمين : من الذين ظلموا أنفسهم بمعصية الله، "فتكونا" جزم عطف على "تقربا"، أو نصب جواب للنهي، الضمير في "عنها" للشجرة، أي فحملهما الشيطان على الزلة بسببها، وتحقيقه" فأصدر الشيطان زلتهما عنها، و(عن): هذه مثلها في قوله تعالى:
وما فعلته عن أمري [الكهف: 82]، وقوله [من السريع]:
[ ص: 255 ] ينهون عن أكل وعن شرب
وقيل: فأزلهما عن الجنة بمعنى أذهبهما عنها وأبعدهما، كما تقول: زل عن مرتبته، وزل عني ذاك: إذا ذهب عنك، وزل من الشهر كذا، وقرئ: (فأزالهما)
مما كانا فيه من النعيم والكرامة، أو من الجنة إن كان الضمير للشجرة في (عنها)، وقرأ
عبد الله : (فوسوس لهما الشيطان عنها)، وهذا دليل على أن الضمير للشجرة; لأن المعنى: صدرت وسوسته عنها.
فإن قلت: كيف توصل إلى إزلالهما ووسوسته لهما بعدما قيل له:
فاخرج منها فإنك رجيم ؟ [ص: 77] قلت: يجوز أن يمنع دخولها على جهة التقريب والتكرمة كدخول الملائكة، ولا يمنع أن يدخل على جهة الوسوسة ابتلاء
لآدم وحواء، وقيل: كان يدنو من السماء فيكلمهما، وقيل: قام عند الباب فنادى.
وروي أنه أراد الدخول فمنعته الخزنة، فدخل في فم الحية حتى دخلت به وهم لا يشعرون، قيل: "اهبطوا": خطاب
لآدم وحواء وإبليس، وقيل: والحية، والصحيح أنه
لآدم وحواء والمراد هما وذريتهما; لأنهما لما كانا أصل الإنس ومتشعبهم جعلا كأنهما الإنس كلهم، والدليل عليه قوله:
قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو [طه: 123] ويدل على ذلك قوله:
فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ،
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، وما هو إلا حكم يعم الناس كلهم، ومعنى (بعضكم لبعض عدو): ما عليه الناس من التعادي والتباغي وتضليل بعضهم لبعض، والهبوط: النزول إلى الأرض، "مستقر" موضع استقرار، أو استقرار "ومتاع" وتمتع بالعيش، "إلى حين": يريد إلى يوم القيامة، وقيل: إلى الموت.