ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون [ ص: 69 ] كان المنافقون يتولون اليهود وهم الذين غضب الله عليهم في قوله تعالى:
من لعنه الله وغضب عليه ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين
ما هم منكم يا مسلمون
ولا منهم ولا من اليهود، كقوله تعالى:
مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء [النساء: 143]. ،
ويحلفون على الكذب أي: يقولون: والله إنا لمسلمون، فيحلفون على الكذب الذي هو ادعاء الإسلام
وهم يعلمون أن المحلوف عليه كذب بحت. فإن قلت: فما فائدة قوله:
وهم يعلمون ؟ قلت: الكذب: أن يكون الخبر لا على وفاق المخبر عنه، سواء علم المخبر أو لم يعلم، فالمعنى: أنهم الذين يخبرون وخبرهم خلاف ما يخبرون عنه، وهم عالمون بذلك متعمدون له، كمن يحلف بالغموس. وقيل:
nindex.php?page=hadith&LINKID=939612كان عبد الله بن نبتل المنافق يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله في حجرة من حجره إذ قال لأصحابه: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان، فدخل ابن نبتل وكان أزرق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "علام تشتمني أنت وأصحابك"؟ فحلف بالله ما فعل، فقال عليه السلام -: "فعلت" فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت :
عذابا شديدا نوعا من العذاب متفاقما
إنهم ساء ما كانوا يعملون يعني أنهم كانوا في الزمان الماضي المتطاول على سوء العمل مصرين عليه. أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة. وقرئ: "إيمانهم" بالكسر، أي: اتخذوا أيمانهم التي حلفوا بها. أو إيمانهم الذي أظهروه "جنة" أي: سترة يتسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم "فصدوا"
[ ص: 70 ] الناس في خلال أمنهم وسلامتهم
عن سبيل الله وكانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويضعفون أمر المسلمين عندهم. وإنما وعدهم الله العذاب المهين المخزي لكفرهم وصدهم، كقوله تعالى:
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب [النحل: 88].
من الله من عذاب الله "شيئا" قليلا من الإغناء.
وروي أن رجلا منهم قال: لننصرن يوم القيامة بأنفسنا وأموالنا وأولادنا "فيحلفون" لله تعالى على أنهم مسلمون في الآخرة
كما يحلفون لكم في الدنيا على ذلك
ويحسبون أنهم على شيء من النفع، يعني: ليس العجب من حلفهم لكم، فإنكم بشر تخفى عليكم السرائر، وأن لهم نفعا في ذلك دفعا عن أرواحهم واستجرار فوائد دنيوية، وأنهم يفعلونه في دار لا يضطرون فيها إلى علم ما يوعدون، ولكن العجب من حلفهم لله عالم الغيب والشهادة مع عدم النفع والاضطرار إلى علم ما أنذرتهم الرسل، والمراد: وصفهم بالتوغل في نفاقهم ومرونهم عليه، وأن ذلك بعد موتهم وبعثهم باق فيهم لا يضمحل، كما قال:
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه [الأنعام: 28]. وقد اختلف العلماء في كذبهم في الآخرة، والقرآن ناطق بثباته نطقا مكشوفا. كما ترى في هذه الآية وفي قوله تعالى:
والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون [الأنعام: 24]. ونحو حسبانهم أنهم على شيء من النفع إذا حلفوا استنظارهم المؤمنين ليقتبسوا من نورهم، لحسبان أن الإيمان الظاهر مما ينفعهم. وقيل عند ذلك: يختم على أفواههم.
ألا إنهم هم الكاذبون يعني أنهم الغاية التي لا مطمح وراءها في قول الكذب، حيث استوت حالهم فيه في الدنيا والآخرة.
استحوذ عليهم استولى عليهم، من حاذ الحمار العانة إذا جمعها وساقها غالبا لها. ومنه: كان أحوذيا نسيج وحده، وهو أحد ما جاء على الأصل، نحو: استصوب واستنوق، أي: ملكهم "الشيطان" لطاعتهم له في كل ما يريده منهم، حتى جعلهم رعيته وحزبه. "فأنساهم" أن يذكروا الله أصلا لا بقلوبهم ولا بألسنتهم. قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : حزب الشيطان جنده.