ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم
التقول: افتعال القول؛ لأن فيه تكلفا من المفتعل، وسمى الأقوال المتقولة "أقاويل"
[ ص: 204 ] تصغيرا بها وتحقيرا، كقولك: الأعاجيب والأضاحيك، كأنها جمع أفعولة من القول؛ والمعنى: ولو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا، كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام، فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول: وهو أن يؤخذ بيده وتضرب رقبته. وخص اليمين عن اليسار لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف، وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه ومعنى: أخذنا منه باليمين لأخذنا بيمينه، كما أن قوله:
لقطعنا منه الوتين لقطعنا وتينه، وهذا بين، والوتين: نياط القلب وهو حبل الوريد: إذا قطع مات صاحبه. وقرئ: "ولو تقول" على البناء للمفعول قيل: "حاجزين" في وصف أحد; لأنه في معنى الجماعة، وهو اسم يقع في النفي العام مستويا فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ومنه قوله تعالى:
لا نفرق بين أحد من رسله [البقرة: 285]. ،
لستن كأحد من النساء [الأحزاب: 32]. والضمير في عنه للقتل، أي: لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك ويدفعه عنه. أو لرسول الله، أي: لا تقدرون أن تحجزوا عنه القاتل وتحولوا بينه وبينه; والخطاب للناس، وكذلك في قوله تعالى:
وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وهو إيعاد على التكذيب. وقيل: الخطاب للمسلمين. والمعنى: أن منهم ناسا سيكفرون بالقرآن "وإنه" الضمير للقرآن "لحسرة" على الكافرين به المكذبين له إذا رأوا ثواب المصدقين به. أو للتكذيب، وأن القرآن اليقين حق اليقين، كقولك: هو العالم حق العالم، وجد العالم. والمعنى: لعين اليقين، ومحض اليقين "فسبح" الله بذكر اسمه العظيم وهو قوله: سبحان الله; واعبده شكرا على ما أهلك له من إيحائه إليك.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
من قرأ سورة [الحاقة] حاسبه الله حسابا يسيرا ".