فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قواريرا من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا ولقاهم نضرة وسرورا أي: أعطاهم بدل عبوس الفجار وحزنهم نضرة في الوجوه وسرورا في القلوب، وهذا يدل على أن اليوم موصوف بعبوس أهله
بما صبروا بصبرهم على الإيثار. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه:
أن nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين مرضا، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس معه; فقالوا: يا nindex.php?page=showalam&ids=8أبا الحسن ، لو نذرت على ولدك، فنذر nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة وفضة جارية لهما إن برآ مما بهما: أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير، فطحنت nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد ، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياما; فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم، فآثروه; ووقف عليهم أسير في [ ص: 279 ] الثالثة، ففعلوا مثل ذلك; فلما أصبحوا أخد nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه بيد nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها. فساءه ذلك، فنزل جبريل وقال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة. فإن قلت: ما معنى ذكر الحرير مع الجنة؟ قلت: المعنى: وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعري بستانا فيه مأكل هني، "وحريرا" فيه ملبس بهي. يعني: أن هواءها معتدل، لا حر شمس يحمي ولا شدة برد تؤذي. وفي الحديث:
هواء الجنة سجسج، لا حر ولا قر. وقيل: الزمهرير القمر.
وعن
ثعلب : أنه في لغة
طيئ . وأنشد [من الرجز]:
وليلة ظلامها قد اعتكر قطعتها والزمهرير ما زهر
والمعنى: أن الجنة ضياء فلا يحتاج فيها شمس وقمر. فإن قلت:
ودانية عليهم ظلالها علام عطفت؟ قلت: على الجملة التي قبلها; لأنها في موضع الحال من المجزيين; وهذه حال مثلها عنهم لرجوع الضمير منها إليهم في عليهم، إلا أنها اسم مفرد، وتلك جملة في حكم مفرد تقديره: غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا، ودانية عليهم ظلالها; ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين مجتمعان لهم، كأنه قيل: وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والقر ودنو الظلال عليهم. وقرئ: "ودانية" بالرفع،
[ ص: 280 ] على أن ظلالها مبتدأ، ودانية خبر، والجملة في موضع الحال; والمعنى: لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، والحال أن ظلالها دانية عليهم; ويجوز أن تجعل
متكئين و
لا يرون و
ودانية كلها صفات لجنة. ويجوز أن يكون
ودانية معطوفة على جنة، أي: وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها، على أنهم وعدوا جنتين، كقوله:
ولمن خاف مقام ربه جنتان [الرحمن: 46]. لأنهم وصفوا بالخوف:
إنا نخاف من ربنا [الإنسان: 10]. فإن قلت: فعلام عطف:
وذللت ؟ قلت: هي - إذا رفعت
ودانية - جملة فعلية معطوفة على جملة ابتدائية، وإذا نصبتها على الحال، فهي حال من دانية، أي: تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها لهم. أو معطوفة عليها على: ودانية عليهم ظلالها، ومذللة قطوفها; وإذا نصبت
ودانية على الوصف، فهي صفة مثلها; ألا ترى أنك لو قلت: جنة ذللت قطوفها: كان صحيحا; وتذليل القطوف: أن تجعل ذللا لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا. أو تجعل ذليلة لهم خاضعة متقاصرة، من قولهم: حائط ذليل إذا كان قصيرا.
قوارير قوارير قرئا غير منونين، وبتنوين الأول، وبتنوينهما. وهذا التنوين بدل من ألف الإطلاق، لأنه فاصلة; وفي الثاني لإتباعه الأول، ومعنى قوارير من
فضة أنها مخلوقة من فضة، وهي مع بياض الفضة وحسنها في صفاء القوارير وشفيفها. فإن قلت: ما معنى كانت؟ قلت هو من - يكون - في قوله:
كن فيكون [البقرة: 117]. أي: تكونت قوارير، بتكون الله تفخيما لتلك الخلقة العجيبة الشأن، الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين. ومنه كان في قوله:
كان مزاجها كافورا وقرئ "قوارير من فضة" بالرفع على: هي قوارير.
قدروها صفة لقوارير من فضة. ومعنى تقديرهم لها: أنهم قدروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم، فجاءت كما قدروا. وقيل: الضمير للطائفين بها، دل عليهم قوله:
ويطاف عليهم [الإنسان: 15]. على أنهم قدروا شرابها على قدر الري، وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته لا يفضل عنها ولا يعجز. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : لا تفيض ولا تغيض. وقرئ: قدروها على البناء للمعفول. ووجهه أن يكون من قدر، منقولا من قدر. تقول: قدرت الشيء وقدرنيه فلان: إذا جعلك قادرا له. ومعناه: جعلوا قادرين له كما شاءوا. وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا، سميت العين زنجبيلا لطعم الزنجبيل فيها، والعرب تستلذه وتستطيبه.
قال
الأعشى [من المتقارب]:
كأن القرنفل والزنجبي ل باتا بفيها وأريا مشورا
[ ص: 281 ] وقال
المسيب بن علس [من الكامل]:
وكأن طعم الزنجبيل به إذ ذقته وسلافة الخمر
و
سلسبيلا لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها، يعني: أنها في طعم الزنجبيل وليس فيها لذعه، ولكن نقيض اللذع وهو السلاسة. يقال: شراب سلسل وسلسال وسلسبيل، وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية. ودلت على غاية السلاسة. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: السلسبيل في اللغة: صفة لما كان في غاية السلاسة. وقرئ: سلسبيل على منع الصرف، لاجتماع العلمية والتأنيث: وقد عزوا إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن معناه سل سبيلا إليها، وهذا غير مستقيم على ظاهره. إلا أن يراد أن جملة قول القائل: سل سبيلا، جعلت علما للعين، كما قيل: تأبط شرا; وذرى حبا; وسميت بذلك لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصالح، وهو مع استقامته في العربية تكلف وابتداع; وعزوه إلى مثل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أبدع وفي شعر بعض المحدثين [من الخفيف]:
سل سبيلا فيها إلى راحة النف س براح كأنها سلسبيل
و
عينا بدل من
زنجبيلا وقيل: تمزج كأسهم بالزنجبيل بعينه. أو يخلق الله طعمه فيها. و
عينا على هذا القول: مبدلة من
كأسا كأنه قيل: ويسقون فيها كأسا كأس عين. أو منصوبة على الاختصاص. شبهوا في حسنهم وصفاء ألوانهم وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم باللؤلؤ المنثور. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون : أنه ليلة زفت إليه
بوران بنت الحسن بن [ ص: 282 ] سهل وهو على بساط منسوج من ذهب وقد نثرت عليه نساء دار الخلافة اللؤلؤ. فنظر إليه منثورا على ذلك البساط، فاستحسن المنظر وقال: لله در
nindex.php?page=showalam&ids=12185أبي نواس ، وكأنه أبصر هذا حيث يقول [من البسيط]:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها حصباء در على أرض من الذهب
وقيل: شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا نثر من صدفه، لأنه أحسن وأكثر ماء
رأيت ليس له مفعول ظاهر ولا مقدر ليشيع ويعم، كأنه قيل: وإذا أوجدت الرؤية، ثم ومعناه: أن بصر الرائي أينما وقع لم يتعلق إدراكه إلا بنعيم كثير وملك كبير و
ثم في موضع النصب على الظرف، يعني في الجنة. ومن قال: معناه: "ما ثم" فقد أخطأ؛ لأن
ثم صلة لما، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة
كبيرا واسعا وهنيئا. يروى:
nindex.php?page=hadith&LINKID=685240أن أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه . وقيل: لا زوال له. وقيل: إذا أرادوا شيئا كان. وقيل: يسلم عليهم الملائكة ويستأذنون عليهم.
قرئ "عاليهم" بالسكون، على أنه مبتدأ خبره:
ثياب سندس أي: ما يعلوهم من لباسهم ثياب سندس. وعاليهم بالنصب، على أنه حال من الضمير في:
يطوف عليهم أو في:
حسبتهم أي: يطوف عليهم ولدان عاليا للمطوف عليهم ثياب. أو حسبتهم لؤلؤا عاليا لهم ثياب. ويجوز أن يراد: رأيت أهل نعيم وملك عاليهم ثياب. وعاليتهم: بالرفع والنصب على ذلك. وعليهم. وخضر وإستبرق: بالرفع، حملا على الثياب بالجر على السندس. وقرئ: "وإستبرق" نصبا في موضع الجر على منع الصرف لأنه أعجمي، وهو غلط؛ لأنه نكرة يدخله حرف التعريف; تقول: الإستبرق، إلا أن يزعم ابن محيصن أنه قد يجعل علما لهذا الضرب من الثياب. وقرئ: واستبرق، بوصل الهمزة والفتح: على أنه مسمى باستفعل من البريق، وليس بصحيح أيضا؛ لأنه معرب مشهور تعريبه، وأن أصله: استبره
وحلوا [ ص: 283 ] عطف على
ويطوف عليهم . فإن قلت: ذكر ههنا أن أساورهم من فضة، وفي موضع آخر أنها من ذهب. قلت: هب أنه قيل: وحلوا أساور من ذهب ومن فضة، وهذا صحيح لا إشكال فيه، على أنهم يسورون بالجنسين: إما على المعاقبة، وإما على الجمع، كما تزاوج نساء الدنيا بين أنواع الحلي وتجمع بينها، وما أحسن بالمعصم أن يكون فيه سواران: سوار من ذهب، وسوار من فضة
شرابا طهورا ليس برجس كخمر الدنيا; لأن كونها رجسا بالشرع لا بالعقل، وليست الدار دار تكليف. أو لأنه لم يعصر فتمسه الأيدي الوضرة، وتدوسه الأقدام الدنسة، ولم يجعل في الدنان والأباريق التي لم يعن بتنظيفها. أو لأنه لا يئول إلى النجاسة لأنه يرشح عرقا من أبدانهم له ريح كريح المسك. أي: يقال لأهل الجنة:
إن هذا وهذا إشارة إلى ما تقدم من عطاء الله لهم: ما جوزيتم به على أعمالكم وشكر به سعيكم، والشكر مجاز.