يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون
"إسرائيل": هو
يعقوب -عليه السلام- لقب له، ومعناه في لسانهم: صفوة الله،
[ ص: 258 ] وقيل:
عبد الله ، وهو بزنة إبراهيم وإسماعيل ، غير منصرف مثلهما لوجود العلمية والعجمة، وقرئ: (إسرائل) و(إسرائل)، وذكرهم النعمة: ألا يخلوا بشكرها، ويعتدوا بها، ويستعظموها، ويطيعوا مانحها، وأراد بها ما أنعم به على آبائهم مما عدد عليهم من الإنجاء من
فرعون وعذابه، ومن الغرق، ومن العفو عن اتخاذ العجل، والتوبة عليهم، وغير ذلك، وما أنعم به عليهم من إدراك زمن
محمد - صلى الله عليه وسلم - المبشر به في التوراة والإنجيل، والعهد يضاف إلى المعاهد والمعاهد جميعا، يقال: أوفيت بعهدي، أي بما عاهدت عليه كقوله:
ومن أوفى بعهده من الله [التوبة: 111]، وأوفيت بعهدك: أي بما عاهدتك عليه.
ومعنى:
وأوفوا بعهدي وأوفوا بما عاهدتموني عليه من الإيمان بي والطاعة لي، كقوله:
ومن أوفى بما عاهد عليه الله [الفتح: 10] ،
ومنهم من عاهد الله [التوبة: 75]،
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [الأحزاب: 23]،
أوف بعهدكم بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على حسناتكم
وإياي فارهبون : فلا تنقضوا عهدي، وهو من قولك: زيدا رهبته، وهو أوكد في إفادة الاختصاص من:
إياك نعبد ، وقرئ: (أوف) بالتشديد: أي أبالغ في الوفاء بعهدكم، كقوله:
من جاء بالحسنة فله خير منها [النمل: 189]، ويجوز أن يريد بقوله:
وأوفوا بعهدي ما عاهدوا عليه ووعدوه من الإيمان بنبي الرحمة والكتاب المعجز، ويدل عليه قوله:
وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ، أول من كفر به، أو أول فريق أو فوج كافر به، أو ولا يكن كل واحد منكم أول كافر به، كقولك: كسانا حلة، أي كل واحد منا، وهذا تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته; ولأنهم كانوا المبشرين بزمان من أوحي إليه والمستفتحين على الذين كفروا به، وكانوا يعدون اتباعه أول الناس كلهم، فلما بعث كان أمرهم على العكس كقوله:
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة إلى قوله:
وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة [البينة: 1- 4].
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به [البقرة: 89] ويجوز أن يراد: ولا تكونوا مثل أول كافر به، يعني من أشرك به من أهل
مكة، أي: ولا تكونوا - وأنتم تعرفونه مذكورا في التوراة موصوفا - مثل من لم يعرفه وهو مشرك لا كتاب له، وقيل: الضمير في "به" لما معكم; لأنهم إذا كفروا بما يصدقه فقد كفروا به، والاشتراء استعارة للاستبدال، كقوله تعالى:
اشتروا الضلالة بالهدى [البقرة: 16]، وقوله [من الرجز]:
كما اشترى المسلم إذ تنصرا
وقوله [من الطويل]:
[ ص: 259 ] فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
يعني: ولا تستبدلوا بآياتي ثمنا وإلا فالثمن هو المشترى به، والثمن القليل الرياسة التي كانت لهم في قومهم، خافوا عليها الفوات لو أصبحوا أتباعا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستبدلوها - وهي بدل قليل ومتاع يسير - بآيات الله وبالحق الذي كل كثير إليه قليل، وكل كبير إليه حقير، فما بال القليل الحقير، وقيل: كانت عامتهم يعطون أحبارهم من زروعهم وثمارهم، ويهدون إليهم الهدايا، ويرشونهم الرشا على تحريفهم الكلم، وتسهيلهم لهم ما صعب عليهم من الشرائع، وكان ملوكهم يدرون عليهم الأموال; ليكتموا أو يحرفوا.