أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
تدبر الأمر : تأمله والنظر في إدباره وما يؤول إليه في عاقبته ومنتهاه ، ثم استعمل في كل تأمل; فمعنى تدبر القرآن : تأمل معانيه وتبصر ما فيه
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا : لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه ، فكان بعضه بالغا حد الإعجاز ، وبعضه قاصرا عنه يمكن معارضته ، وبعضه إخبارا بغيب قد وافق المخبر عنه ، وبعضه إخبارا مخالفا للمخبر عنه ، وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعاني ، وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم ، فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائقة لقوى البلغاء وتناصر صحة معان وصدق إخبار ، علم أنه ليس إلا من عند قادر على ما لا يقدر عليه غيره ، عالم بما لا يعلمه أحد سواه . فإن قلت : أليس نحو قوله :
فإذا هي ثعبان مبين [الأعراف : 107]
كأنها جان [النمل : 10]
فوربك لنسألنهم أجمعين [الحجر : 92]
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان [الرحمن : 39] من الاختلاف؟ قلت : ليس باختلاف عند المتدبرين .