لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا إلا من ظلم : إلا من جهر من ظلم ، استثنى من الجهر الذي لا يحبه الله جهر
[ ص: 170 ] المظلوم ، وهو أن يدعو على الظالم ويذكره بما فيه من السوء ، وقيل : هو أن يبدأ بالشتيمة فيرد على الشاتم
ولمن انتصر بعد ظلمه [الشورى : 41] وقيل : ضاف رجل قوما فلم يطعموه ، فأصبح شاكيا ، فعوتب على الشكاية فنزلت ، وقرئ "إلا من ظلم" على البناء للفاعل للانقطاع . أي : ولكن الظالم راكب ما لا يحبه الله فيجهر بالسوء ، ويجوز أن يكون "من ظلم" مرفوعا ، كأنه قيل : لا يحب الله الجهر بالسوء ، إلا الظالم على لغة من يقول : ما جاءني زيد إلا عمرو ، بمعنى ما جاءني إلا عمرو ، ومنه
لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله [النمل : 65] ثم حث على العفو ، وألا يجهر أحد لأحد بسوء وإن كان على وجه الانتصار ، بعدما أطلق الجهر به وجعله محبوبا ، حثا على الأحب إليه ، والأفضل عنده والأدخل في الكرم والتخشع والعبودية ، وذكر إبداء الخير وإخفاءه تشبيبا للعفو ، ثم عطفه عليهما اعتدادا به وتنبيها على منزلته ، وأن له مكانا في باب الخير وسيطا; والدليل على أن العفو هو الغرض المقصود بذكر إبداء الخير وإخفائه قوله :
فإن الله كان عفوا قديرا أي : يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام ، فعليكم أن تقتدوا بسنة الله .