ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ثم لم تكن [ ص: 332 ] فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ويوم نحشرهم : ناصبه محذوف تقديره : ويوم نحشرهم كان كيت وكيت ، فترك ; ليبقى على الإبهام الذي هو داخل في التخويف
أين شركاؤكم أي : آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله .
وقوله :
الذين كنتم تزعمون معناه : تزعمونهم شركاء ، فحذف المفعولان ، وقرئ : " يحشرهم ثم يقول" ، بالياء فيهما ; وإنما يقال لهم ذلك على وجه التوبيخ ، ويجوز أن يشاهدوهم ، إلا أنهم حين لا ينفعونهم ، ولا يكون منهم ما رجوا من الشفاعة ، فكأنهم غيب عنهم ، وأن يحال بينهم وبينهم في وقت التوبيخ ; ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بهم الرجاء فيها ، فيروا مكان خزيهم وحسرتهم ، " فتنتهم" : كفرهم ، والمعنى : ثم لم تكن عاقبة كفرهم - الذي لزموه أعمارهم ، وقاتلوا عليه ، وافتخروا به ، وقالوا : دين آبائنا - إلا جحوده ، والتبرؤ منه ، والحلف على الانتفاء من التدين به ، ويجوز أن يراد : ثم لم يكن جوابهم إلا أن قالوا فسمى فتنة ; لأنه كذب .
وقرئ : " تكن " بالتاء ، و “ فتنتهم" ، بالنصب ; وإنما أنث :
أن قالوا ; لوقوع الخبر مؤنثا ; كقولك : من كانت أمك ؟ .
[ ص: 333 ] وقرئ : بالياء ، ونصب الفتنة ، وبالياء والتاء مع رفع الفتنة .
وقرئ : " ربنا " بالنصب على النداء
وضل عنهم : وغاب عنهم
ما كانوا يفترون أي : يفترون إلهيته وشفاعته .
فإن قلت : كيف يصح أن يكذبوا حين يطلعون على حقائق الأمور على أن الكذب ، والجحود لا وجه لمنفعته؟
قلت : الممتحن ينطق بما ينفعه ، وبما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشا ; ألا تراهم يقولون :
ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون [المؤمنون : 107] ، وقد أيقنوا بالخلود ، ولم يشكوا فيه
ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك [الزخرف : 77] وقد علموا أنه لا يقضى عليهم .
وأما قول من يقول : معناه : ما كنا مشركين عند أنفسنا ، وما علمنا أنا على خطأ في معتقدنا ، وحمل قوله :
انظر كيف كذبوا على أنفسهم يعني : في الدنيا ، فتحمل وتعسف وتحريف لأفصح الكلام إلى ما هو عي وإقحام ; لأن المعنى الذي ذهبوا إليه ليس هذا الكلام بمترجم عنه ، ولا منطبق عليه ، وهو ناب عنه أشد النبو ، وما أدري ما يصنع من ذلك تفسيره بقوله تعالى :
يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون [المجادلة : 18] بعد قوله :
ويحلفون على الكذب وهم يعلمون [المجادلة : 14] فشبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا .