وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينـزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم [ ص: 368 ] مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله : وكانوا حاجوه في
توحيد الله ، ونفي الشركاء عنه ، منكرين لذلك ، :
وقد هدانا ، يعني : إلى التوحيد
ولا أخاف ما تشركون به ، وقد خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء
إلا أن يشاء ربي شيئا : إلا وقت مشيئة ربي شيئا يخاف ، فحذف الوقت ، يعني : لا أخاف معبوداتكم في وقت قط ; لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة ، إلا إذا شاء ربي أن يصيبني بمخوف من جهتها إن أصبت ذنبا استوجب به إنزال المكروه ، مثل أن يرجمني بكوكب أو بشقة من الشمس أو القمر ، أو يجلعها قادرة على مضرتي
وسع ربي كل شيء علما : أي ليس بعجب ، ولا مستبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بي من جهتها
أفلا تتذكرون ; فتميزوا بين الصحيح والفاسد ، والقادر والعاجز
وكيف أخاف : لتخويفكم شيئا مأمون الخوف ، لا يتعلق به ضرر بوجه ، " و " أنتم
لا تخافون : ما يتعلق به كل مخوف ، وهو إشراككم بالله ، ما لم ينزل بإشراكه
سلطانا : أي حجة ; لأن الإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة ، كأنه قال : وما لكم تنكرون علي الأمن في موضع الأمن ، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن
[ ص: 369 ] في موضع الخوف ، ولم يقل : فأينا أحق بالأمن ; أنا ، أم أنتم ، احترازا من تزكيته نفسه ، فعدل عنه إلى قوله :
فأي الفريقين : يعني : فريقي المشركين والموحدين ، ثم استأنف الجواب على السؤال بقوله :
الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أي : لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم ، وأبى تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس ، " وتلك " إشارة إلى جميع ما احتج به
إبراهيم - عليه السلام - على قومه من قوله :
فلما جن عليه الليل ، إلى قوله :
وهم مهتدون ، ومعنى :
آتيناها : أرشدناه إليها ، ووفقناه لها
نرفع درجات من نشاء يعني : في العلم والحكمة ، وقرئ : بالتنوين
ومن ذريته : الضمير :
لنوح ، أو
لإبراهيم ، و
داود : عطف على نوحا ، أي : وهدينا داود
ومن آبائهم : في موضع النصب عطفا على " كلا" ، بمعنى : وفضلنا بعض آبائهم
ولو أشركوا : مع فضلهم وتقدمهم وما رفع لهم من الدرجات ، لكانوا كغيرهم من حبوط أعمالهم ، كما قال تعالى وتقدس :
لئن أشركت ليحبطن عملك [المر : 65]
آتيناهم الكتاب : يريد الجنس
فإن يكفر بها : بالكتاب ، والحكمة ، والنبوة ، أو بالنبوة
هؤلاء يعني : أهل
مكة القوم الذين: هم الأنبياء المذكورون ، ومن تابعهم ; بدليل قوله :
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ، وبدليل وصل قوله :
فإن يكفر بها هؤلاء بما قبله ، وقيل : هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل من آمن به .
وقيل : كل مؤمن من بني
آدم .
وقيل : الملائكة ، وادعى الأنصار أنها لهم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : هم الفرس ، ومعنى : توكيلهم بها : أنهم وفقوا للإيمان بها ، والقيام بحقوقها ، كما يوكل الرجل بالشيء ; ليقوم به ، ويتعهده ، ويحافظ عليه ، والباء في : " بها" : صلة كافرين ، وفي :
بكافرين : تأكيد النفي
فبهداهم اقتده : فاختص هداهم بالاقتداء ، ولا تقتد إلا بهم ، وهذا معنى
[ ص: 370 ] تقديم المفعول ، والمراد " بهداهم" : طريقتهم في الإيمان بالله وتوحيده ، وأصول الدين دون الشرائع ; فإنها مختلفة ، وهي هدى ، ما لم تنسخ .
فإذا نسخت لم تبق هدى ، بخلاف أصول الدين ، فإنها هدى أبدا ، والهاء في " اقتده " : للوقف تسقط في الدرج ، واستحسن إيثار الوقف ; لثبات الهاء في المصحف .