وهو الذي أنـزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها [ ص: 379 ] وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون فأخرجنا به : بالماء
نبات كل شيء : نبت كل صنف من أصناف النامي ، يعني : أن السبب واحد ، وهو الماء ، والمسببات صنوف مفتنة ، كما قال :
يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل [الرعد : 4]
فأخرجنا منه : من النبات ، " خضرا" : شيئا غضا أخضر ، يقال : أخضر وخضر ، كأعور وعور ، وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة
نخرج منه : من الخضر
حبا متراكبا : وهو السنبل ، و “ قنوان" : رفع بالابتداء ، و “ من النخل" : خبره ، و “ من طلعها" : بدل منه ، كأنه قيل : " وحاصلة من طلع النخل قنوان" ، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا ; لدلالة أخرجنا عليه ، تقديره : ومخرجة من طلع النخل قنوان ، ومن قرأ : " يخرج منه حب متراكب " ، كان " قنوان" : عنده معطوفا على حب ، والقنوان : جمع قنو ، ونظيره : صنو وصنوان .
وقرئ : بضم القاف وبفتحها ، على أنه اسم جمع كركب ; لأن فعلان ليس من زيادة التكسير " دانية " : سهلة المجتنى ، معرضة للقاطف ، كالشيء الداني القريب المتناول ; ولأن النخلة ، وإن كانت صغيرة ، ينالها القاعد ، فإنها تأتي بالثمر لا تنتظر الطول . وقال الحسن : "دانية" قريب بعضها من بعض ، وقيل : ذكر القريبة ، وترك ذكر البعيدة ; لأن النعمة فيها أظهر ، وأدل بذكر القريبة على ذكر البعيدة ; كقوله :
سرابيل تقيكم الحر [النحل : 81 ] وقوله :
وجنات من أعناب فيه وجهان : أحدهما : أن يراد : وثم جنات من أعناب ، أي : مع النخل .
والثاني : أن يعطف على : " قنوان " على معنى : وحاصلة ، أو ومخرجة من النخل قنوان ، وجنات من أعناب ، أي : من نبات أعناب .
وقرئ : "وجنات" بالنصب عطفا على
نبات كل شيء ، أي : وأخرجنا به جنات من أعناب ، وكذلك قوله :
والزيتون والرمان ، والأحسن أن ينتصبا على الاختصاص ، كقوله :
والمقيمين الصلاة [النساء : 162] ; لفضل هذين الصنفين
مشتبها وغير متشابه ، يقال : "اشتبه الشيئان وتشابها" ; كقولك : "استويا وتساويا" ، والافتعال والتفاعل يشتركان كثيرا .
وقرئ : متشابها وغير متشابه ، وتقديره : والزيتون متشابها ، وغير متشابه ، والرمان كذلك ; كقوله : [من الخفيف]
كنت منه ووالدي بريا
[ ص: 380 ] والمعنى : بعضه متشابها وبعضه غير متشابه ، في القدر ، واللون ، والطعم ، وذلك دليل على التعمد دون الإهمال
انظروا إلى ثمره إذا أثمر : إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضئيلا ، ضعيفا ، لا يكاد ينتفع به ، وانظروا إلى حال ينعه ، ونضجه ، كيف يعود شيئا جامعا لمنافع وملاذ ، نظر اعتبار واستبصار ، واستدلال على قدرة مقدره ومدبره ، وناقله من حال إلى حال .
وقرئ : " وينعه " بالضم ، يقال : ينعت الثمرة ينعا وينعا .
وقرأ
ابن محيصن : "ويانعه" ، وقرئ : "وثمره" ، بالضم .