قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون هلم : يستوي فيه الواحد والجمع ، والمذكر والمؤنث ، عند الحجازيين ، وبنو تميم تؤنث وتجمع ، والمعنى : "هاتوا شهداءكم وقربوهم" .
فإن قلت : كيف أمره باستحضار شهدائهم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعموه محرما ، ثم أمره بأن لا يشهد معهم؟
قلت : أمره باستحضارهم وهم شهداء بالباطل ; ليلزمهم الحجة ، ويلقمهم الحجر ، ويظهر للمشهود لهم بانقطاع الشهداء أنهم ليسوا على شيء ، لتساوي أقدام الشاهدين والمشهود لهم في أنهم لا يرجعون إلى ما يصح التمسك به ، وقوله :
فلا تشهد معهم يعني : فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم ; لأنه إذا سلم لهم فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم ، وكان واحدا منهم
ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا : من وضع
[ ص: 411 ] الظاهر موضع المضمر ; للدلالة على أن من كذب بآيات الله ، وعدل به غيره ، فهو متبع للهوى لا غير ; لأنه لو اتبع الدليل ، لم يكن إلا مصدقا بالآيات موحدا لله تعالى .
فإن قلت : هلا قيل : قل هلم شهداء يشهدون أن الله حرم هذا؟ وأي فرق بينه وبين المنزل؟
قلت : المراد أن يحضروا شهداءهم الذين علم أنهم يشهدون لهم وينصرون قولهم ، وكان المشهود لهم يقلدونهم ، ويثقون بهم ، ويعتضدون بشهادتهم ; ليهدم ما يقومون به "ليحق الحق ويبطل الباطل" ، فأضيفت الشهداء لذلك ، وجيء "بالذين" ; للدلالة على أنهم شهداء معروفون ، موسومون بالشهادة لهم ، وبنصرة مذهبهم ; والدليل عليه قوله تعالى :
فإن شهدوا فلا تشهد معهم ، ولو قيل : هلم شهداء يشهدون ، لكان معناه : هاتوا أناسا يشهدون بتحريم ذلك ، فكان الظاهر طلب شهداء بالحق ، وذلك ليس بالغرض ، ويناقضه قوله تعالى :
فإن شهدوا فلا تشهد معهم .