ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ولو أنهم آمنوا برسول الله والقرآن، "واتقوا": الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين،
لمثوبة من عند الله خير ، وقرئ: (لمثوبة) كمشورة ومشورة،
لو كانوا يعلمون : أن ثواب الله خير مما هم فيه وقد علموا، ولكنه جهلهم لترك العمل بالعلم.
فإن قلت: كيف أوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب لو؟ قلت: لما في ذلك من الدلالة على ثبات المثوبة واستقرارها، كما عدل عن النصب إلى الرفع في "سلام عليكم" لذلك.
فإن قلت: فهلا قيل: لمثوبة الله خير؟ قلت: لأن المعنى: لشيء من الثواب خير لهم، ويجوز أن يكون قوله:
ولو أنهم آمنوا : تمنيا لإيمانهم على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم واختيارهم له، كأنه قيل: وليتهم آمنوا، ثم ابتدئ "لمثوبة من عند الله خير" كان المسلمون يقولون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ألقى عليهم شيئا من العلم: راعنا يا رسول الله، أي راقبنا وانتظرنا، وتأن بنا حتى نفهمه ونحفظه، وكانت لليهود كلمة يتسابون بها عبرانية أو سريانية، وهي "راعينا" فلما سمعوا بقول المؤمنين: "راعنا" افترضوه، وخاطبوا به الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهم يعنون به تلك المسبة، فنهي المؤمنون عنها وأمروا بما هو في معناها، وهو "انظرنا" من نظره إذا انتظره، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي: (انظرنا) من النظرة، أي أمهلنا حتى نحفظ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : (راعونا) على أنهم كانوا يخاطبونه بلفظ الجمع للتوقير، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: (راعنا)، بالتنوين من الرعن وهو الهوج، أي: لا تقولوا قولا راعنا منسوبا إلى الرعن رعينا، كدارع ولابن;
[ ص: 308 ] لأنه لما أشبه قولهم: "راعينا" وكان سببا في السب اتصف بالرعن.
"واسمعوا": وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويلقي عليكم من المسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة، حتى لا تحتاجوا إلى الاستعانة وطلب المراعاة، أو: واسمعوا سماع قبول وطاعة، ولا يكن سماعكم مثل سماع اليهود حيث قالوا: سمعنا وعصينا، أو: واسمعوا ما أمرتم به بجد حتى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه؛ تأكيدا عليهم ترك تلك الكلمة.
وروي
أن nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ سمعها منهم، فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأضربن عنقه، فقالوا: أولستم تقولونها؟ فنزلت.
"وللكافرين" ولليهود الذين تهاونوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسبوه
عذاب أليم : من الأولى للبيان; لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان: أهل الكتاب والمشركون، كقوله تعالى:
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين [البينة: 1] والثانية: مزيدة لاستغراق الخير، والثالثة: لابتداء الغاية، والخير الوحي، وكذلك الرحمة كقوله تعالى:
أهم يقسمون رحمت ربك [الزخرف: 32].
والمعنى أنهم يرون أنفسهم أحق بأن يوحى إليهم فيحسدونكم، وما يحبون أن ينزل عليكم شيء من الوحي، "والله يختص" بالنبوة
من يشاء ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة
والله ذو الفضل العظيم إشعار بأن إيتاء النبوة من الفضل العظيم، كقوله تعالى:
إن فضله كان عليك كبيرا [الإسراء: 87].