وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون من ظهورهم : بدل من بني آدم بدل البعض من الكل ، ومعنى أخذ ذرياتهم من ظهورهم : إخراجهم من أصلابهم نسلا وإشهادهم على أنفسهم ، قوله :
ألست بربكم قالوا بلى شهدنا : من باب التمثيل والتخييل! ومعنى ذلك أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته
[ ص: 530 ] ووحدانيته ، وشهدت بها عقولهم ، وبصائرهم التي ركبها فيهم ، وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى ، فكأنه أشهدهم على أنفسهم ، وقررهم ، وقال لهم : ألست بربكم؟ وكأنهم قالوا : بلى ، أنت ربنا ، شهدنا على أنفسنا ، وأقررنا بوحدانيتك ، وباب التمثيل واسع في كلام الله - تعالى- ورسوله - عليه الصلاة السلام - وفي كلام العرب ، ونظيره قوله تعالى :
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [النحل : 40]
فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين [فصلت : 11] ، وقوله [من الرجز] :
إذ قالت الأنساع للبطن : الحقي
[من الرجز] :
قالت له ريح الصبا : قرقار
ومعلوم أنه لا قول ثم ، وإنما هو تمثيل ، وتصوير للمعنى
أن تقولوا : مفعول له ، أي : فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول ، كراهة
أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين : لم ننبه عليه ، "أو" : كراهة أن :
أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم [ ص: 531 ] : فاقتدينا بهم ; لأن نصب الأدلة على التوحيد ، وما نبهوا عليه قائم معهم ، فلا عذر لهم في الإعراض عنه ، والإقبال على التقليد ، والاقتداء بالآباء ، كما لا عذر لآبائهم في الشرك ، وأدلة التوحيد منصوبة لهم .
فإن قلت : بنو
آدم وذرياتهم من هم؟
قلت : عنى ببني
آدم : أسلاف اليهود الذين أشركوا بالله ; حيث قالوا : عزير ابن الله ، وبذرياتهم : الذين كانوا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أخلافهم المقتدين بآبائهم ; والدليل على أنها من المشركين وأولادهم : قوله :
أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل والدليل على أنها في اليهود : الآيات التي عطفت عليها هي ، والتي عطفت عليها ، وهي على نمطها وأسلوبها ; وذلك قوله :
واسألهم عن القرية [الأعراف : 163]
وإذ قالت أمة منهم لم تعظون وإذ تأذن ربك وإذ نتقنا الجبل فوقهم واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا أفتهلكنا بما فعل المبطلون أي : كانوا السبب في شركنا ; لتأسيسهم الشرك ، وتقدمهم فيه ، وتركه سنة لنا ، "وكذلك" : ومثل ذلك التفصيل البليغ
نفصل الآيات : لهم
ولعلهم يرجعون : وإرادة أن يرجعوا عن شركهم نفصلها .
وقرئ : "ذريتهم" ، على التوحيد ، "وأن يقولوا" : بالياء .