إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون طائف من الشيطان : لمة منه مصدر ; من قولهم : طاف به الخيال يطيف طيفا ; قال [من الكامل] :
أنى ألم بك الخيال يطيف
أو هو تخفيف طيف فيعل ، من طاف يطيف كلين ، أو من طاف يطوف كهين ، وقرئ : "طائف" ، وهو يحتمل الأمرين - أيضا - وهذا تأكيد ، وتقرير لما تقدم من وجوب الاستعاذة بالله عند نزغ الشيطان ، وأن المتقين هذه عادتهم : إذا أصابهم أدنى نزغ من الشيطان ، وإلمام بوسوسته : "تذكروا" ، ما أمر الله به ، ونهى عنه ، فأبصروا السداد ، ودفعوا ما وسوس به
[ ص: 547 ] إليهم ، ولم يتبعوه أنفسهم ، وأما إخوان الشياطين الذين ليسوا بمتقين ، فإن الشياطين يمدونهم في الغي ، أي : يكونون مددا لهم فيه ويعضدونهم ، وقرئ : "يمدونهم" من الإمداد ، "ويمادونهم" بمعنى : يعاونونهم
ثم لا يقصرون : ثم لا يمسكون عن إغوائهم حتى يصروا ولا يرجعوا ، قوله :
وإخوانهم يمدونهم ; كقوله [من البسيط] :
قوم إذا الخيل جالوا في كواثبها
في أن الخبر جار على ما هو له ، ويجوز أن يراد بالإخوان : الشياطين ، ويرجع الضمير المتعلق به إلى الجاهلين ، فيكون الخبر جاريا على ما هو له ; والأول أوجه ; لأن إخوانهم في مقابلة الذين اتقوا .
فإن قلت : لم جمع الضمير في إخوانهم والشيطان مفرد؟
قلت : المراد به الجنس ; كقوله :
أولياؤهم الطاغوت [البقرة : 257] .