وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين
فإن قلت: بم اتصل قوله:
وهي تجري بهم ؟
قلت: بمحذوف دل عليه:
اركبوا فيها بسم الله ; كأنه قيل: فركبوا فيها يقولون: بسم الله،
وهي تجري بهم : أي: تجري وهم فيها،
في موج كالجبال : يريد موج الطوفان، شبه كل موجة منه بالجبل في تراكمها وارتفاعها .
فإن قلت: الموج: ما يرتفع فوق الماء عند اضطرابه وزخيره، وكان الماء قد التقى وطبق ما بين السماء والأرض، وكانت الفلك تجري في جوف الماء كما تسبح السمكة، فما معنى جريها في الموج ؟
قلت: كان ذلك قبل التطبيق، وقبل أن يغمر الطوفان الجبال; ألا ترى إلى قول ابنه: "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء". قيل: كان اسم ابنه:
كنعان، وقيل:
يام، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=8علي -رضي الله عنه -: "ابنها"، والضمير لامرأته، وقرأ
محمد بن علي nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير : "ابنه" بفتح الهاء، يريدان ابنها، فاكتفيا بالفتحة عن الألف، وبه ينصر مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : سألته؟ فقال: والله ما كان ابنه، فقلت: إن الله حكى عنه:
إن ابني من أهلي [هود: 45]، وأنت تقول: لم يكن ابنه، وأهل الكتاب لا يختلفون في أنه كان ابنه، فقال: ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب، واستدل بقوله: "من أهلي"، ولم يقل: مني، ولنسبته إلى أمه وجهان:
أحدهما : أن يكون ربيبا له،
nindex.php?page=showalam&ids=5842كعمر بن أبي سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون لغير رشدة، وهذه غضاضة عصمت منها الأنبياء -عليهم السلام- وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "ونادى
نوح ابناه" على الندبة والترثي، أي: قال: يا ابناه، والمعزل: مفعل، من عزله عنه إذا نحاه وأبعده، يعني: وكان في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن مركب المؤمنين، وقيل:
[ ص: 202 ] كان في معزل عن دين أبيه،
يا بني : قرئ بكسر الياء; اقتصارا عليه من ياء الإضافة، وبالفتح اقتصارا عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك: يا بنيا، أو سقطت الياء والألف لالتقاء الساكنين; لأن الراء بعدهما ساكنة،
إلا من رحم : إلا الراحم وهو الله تعالى، أو لا عاصم اليوم من الطوفان إلا من رحم الله، أي: إلا مكان من رحم الله من المؤمنين، وكان لهم غفورا رحيما في قوله:
إن ربي لغفور رحيم [هود: 41]، وذلك أنه لما جعل الجبل عاصما من الماء، قال له: لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد، وهو مكان من رحمهم الله ونجاهم، يعني: السفينة، وقيل: "لا عاصم "، بمعنى: لا ذا عصمة إلا من رحمه الله، كقوله:
ماء دافق [الطارق: 6]، و
عيشة راضية [الحاقة: 21]، وقيل:
إلا من رحم : استثناء منقطع، كأنه قيل: ولكن من رحمه الله فهو المعصوم، كقوله:
ما لهم به من علم إلا اتباع الظن [النساء: 157]، وقرئ: "إلا من رحم "على البناء للمفعول .