1. الرئيسية
  2. تفسير الكشاف
  3. سورة البقرة
  4. تفسير قوله تعالى إن الذين يكتمون مآ أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولائك ما يأكلون في بطونهم ألا النار
صفحة جزء
إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد

في بطونهم : ملء بطونهم، يقال: أكل فلان في بطنه، وأكل في بعض بطنه، إلا النار : لأنه إذا أكل ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه أكل النار، ومنه قولهم: أكل فلان الدم إذا أكل الدية التي هي بدل منه، قال [من الطويل]:


أكلت دما إن لم أرعك بضرة



[ ص: 361 ] وقال [من الرجز]:


يأكلن كل ليلة إكافا



أراد ثمن الإكاف، فسماه إكافا لتلبسه بكونه ثمنا له، ولا يكلمهم الله : تعريض بحرمانهم حال أهل الجنة في تكرمة الله إياهم بكلامه وتزكيتهم بالثناء عليهم، وقيل: نفي الكلام عبارة عن غضبه عليهم كمن غضب على صاحبه فصرمه وقطع كلامه، وقيل: لا يكلمهم بما يحبون، ولكن بنحو قوله: اخسئوا فيها ولا تكلمون [المؤمنون: 108]، فما أصبرهم على النار : تعجب من حالهم في التباسهم بموجبات النار من غير مبالاة منهم، كما تقول لمن يتعرض لما يوجب غضب السلطان: ما أصبرك على القيد والسجن؟! تريد أنه لا يتعرض لذلك إلا من هو شديد الصبر على العذاب، وقيل: فما أصبرهم، فأي شيء صبرهم، يقال: أصبره على كذا وصبره بمعنى، وهذا أصل معنى فعل التعجب، والذي روي عن الكسائي أنه قال: قال لي قاضي اليمن بمكة: اختصم إلي رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له: ما أصبرك على الله، فمعناه: ما أصبرك على عذاب الله ذلك بأن الله نزل أي: ذلك العذاب بسبب أن الله نزل ما نزل من الكتب بالحق وإن الذين اختلفوا : في كتب الله، فقالوا: في بعضها حق وفي بعضها باطل، وهم أهل الكتاب، لفي شقاق : لفي خلاف "بعيد": عن الحق، والكتاب للجنس، أو كفرهم ذلك بسبب أن الله نزل القرآن بالحق كما يعلمون، وإن الذين اختلفوا فيه من المشركين - فقال بعضهم: سحر، وبعضهم: شعر، وبعضهم: أساطير- لفي شقاق بعيد، يعني: أن أولئك لو لم يختلفوا ولم يشاقوا لما جسر هؤلاء أن يكفروا.

التالي السابق


الخدمات العلمية