وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون بدم كذب : ذي كذب، أو وصف بالمصدر مبالغة، كأنه نفس الكذب وعينه، كما يقال للكذاب: هو الكذب بعينه، والزور بذاته، ونحوه [من الطويل]:
................................... ... فهن به جود وأنتم به بخل
وقرئ: "كذبا" نصبا على الحال، بمعنى: جاؤوا به كاذبين، ويجوز أن يكون مفعولا له، وقرأت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة -رضي الله عنها-: "كدب" بالدال غير المعجمة، أي: كدر، وقيل: "طري"، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : أصله من الكدب، وهو الفوف البياض الذي يخرج على أظفار الأحداث، كأنه دم قد أثر في قميصه، روي أنهم ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها، وزل
[ ص: 263 ] عنهم أن يمزقوه، وروي أن
يعقوب لما سمع بخبر
يوسف، صاح بأعلى صوته، وقال: أين القميص ؟ فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص، وقال: تالله، ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا، أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه، وقيل: كان في قميص
يوسف ثلاث آيات: كان دليلا
ليعقوب على كذبهم، وألقاه على وجهه فارتد بصيرا، ودليلا على براءة
يوسف حين قد من دبر.
فإن قلت: "على قميصه" ما محله ؟
قلت: محله: النصب على الظرف، كأنه قيل: وجاءوا فوق قميصه بدم، كما تقول: جاء على جماله بأحمال.
فإن قلت: هل يجوز أن تكون حالا متقدمة ؟
قلت: لا، لأن حال المجرور لا تتقدم عليه،
سولت : سهلت من السول وهو الاسترخاء، أي: سهلت،
لكم أنفسكم أمرا : عظيما ارتكبتموه من
يوسف، وهونته في أعينكم، استدل على فعلهم به بما كان يعرف من حسدهم وبسلامة القميص، أو أوحي إليه بأنهم قصدوه،
فصبر جميل : خبر أو مبتدأ; لكونه موصوفا، أي: فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أمثل، وفي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي: "فصبرا جميلا"، والصبر الجميل جاء في الحديث المرفوع:
"أنه الذي لا شكوى فيه إلى الخلق"; ألا ترى إلى قوله:
إنما أشكو بثي [ ص: 264 ] وحزني إلى الله [يوسف: 86]، وقيل: لا أعايشكم على كآبة الوجه، بل أكون لكم كما كنت، وقيل: سقط حاجبا
يعقوب على عينيه، فكان يرفعهما بعصابة، فقيل له: ما هذا ؟ فقال: طول الزمان، وكثرة الأحزان، فأوحى الله تعالى إليه: يا
يعقوب، أتشكوني ؟ قال: يا رب، خطيئة، فاغفرها لي،
والله المستعان : أي: أستعينه
على : احتمال،
ما تصفون : من هلاك
يوسف، والصبر على الرزء فيه.