وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين وإن لكم في الأنعام لعبرة دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم .
نسقيكم مما في بطونه استئناف لبيان العبرة ، وإنما ذكر الضمير ووحده ها هنا للفظ وأنثه في سورة « المؤمنين » للمعنى ، فإن
الأنعام اسم
[ ص: 232 ] جمع ولذلك عده
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في المفردات المبنية على أفعال كأخلاق وأكياس ، ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض فإن اللبن لبعضها دون جميعها أو لواحده أو له على المعنى ، فإن المراد به الجنس . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب (نسقيكم) بالفتح هنا وفي « المؤمنين » .
من بين فرث ودم لبنا فإنه يخلق من بعض أجزاء الدم المتولد من الأجزاء اللطيفة التي في الفرث ، وهو الأشياء المأكولة المنهضمة بعض الانهضام في الكرش . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أن البهيمة إذا اعتلفت وانطبخ العلف في كرشها كان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما ، ولعله إن صح فالمراد أن أوسطه يكون مادة اللبن وأعلاه مادة الدم الذي يغذي البدن ، لأنهما لا يتكونان في الكرش بل الكبد يجذب صفاوة الطعام المنهضم في الكرش ، ويبقي ثفله وهو الفرث ثم يمسكها ريثما يهضمها هضما ثانيا فيحدث أخلاطا أربعة معها مائية ، فتميز القوة المميزة تلك المائية بما زاد على قدر الحاجة من المرتين وتدفعها إلى الكلية والمرارة والطحال ، ثم يوزع الباقي على الأعضاء بحسبها فيجري إلى كل حقه على ما يليق به بتقدير الحكيم العليم ، ثم إن كان الحيوان أنثى زاد أخلاطها على قدر غذائها لاستيلاء البرد والرطوبة على مزاجها ، فيندفع الزائد أولا إلى الرحم لأجل الجنين فإذا انفصل انصب ذلك الزائد أو بعضه إلى الضروع ، فيبيض بمجاورة لحومها الغددية البيض فيصير لبنا ، ومن تدبر صنع الله تعالى في إحداث الأخلاط والألبان وإعداد مقارها ومجاريها والأسباب المولدة لها والقوى المتصرفة فيها كل وقت على ما يليق به ، اضطر إلى الإقرار بكمال حكمته وتناهي رحمته ، و
من الأولى تبعيضية لأن اللبن بعض ما في بطونها والثانية ابتدائية كقولك : سقيت من الحوض ، لأن بين الفرث والدم المحل الذي يبتدأ منه الإسقاء وهي متعلقة بـ
نسقيكم أو حال من
لبنا قدم عليه لتنكيره وللتنبيه على أنه موضع العبرة .
خالصا صافيا لا يستصحب لون الدم ولا رائحة الفرث ، أو مصفى عما يصحبه من الأجزاء الكثيفة بتضييق مخرجه .
سائغا للشاربين سهل المرور في حلقهم ، وقرئ « سيغا » بالتشديد والتخفيف .