أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى اختاروها عليه واستبدلوها به، وأصله بذل الثمن لتحصيل ما يطلب من الأعيان، فإن كان أحد العوضين ناضا تعين من حيث إنه لا يطلب لعينه أن يكون ثمنا وبذله اشتراء، وإلا فأي العوضين تصورته بصورة الثمن فباذله مشتر وآخذه بائع، ولذلك عدت الكلمتان من الأضداد، ثم استعير للإعراض عما في يده محصلا به غيره، سواء كان من المعاني أو الأعيان، ومنه قول الشاعر:
أخذت بالجملة رأسا أزعرا... وبالثنايا الواضحات الدردرا
وبالطويل العمر عمرا جيدرا... كما اشترى المسلم إذ تنصرا
ثم اتسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشيء طمعا في غيره، والمعنى أنهم أخلوا بالهدى الذي جعله الله لهم بالفطرة التي فطر الناس عليها محصلين الضلالة التي ذهبوا إليها. أو اختاروا الضلالة واستحبوها على الهدى.
[ ص: 49 ] فما ربحت تجارتهم . ترشيح للمجاز، لما استعمل الاشتراء في معاملتهم أتبعه ما يشاكله تمثيلا لخسارتهم، ونحوه:
ولما رأيت النسر عز ابن دأية... وعشش في وكريه جاش له صدري
والتجارة: طلب الربح بالبيع والشراء. والربح: الفضل على رأس المال، ولذلك سمي شفا، وإسناده إلى التجارة وهو لأربابها على الاتساع لتلبسها بالفاعل، أو لمشابهتها إياه من حيث إنها سبب الربح والخسران.
وما كانوا مهتدين لطرق التجارة، فإن المقصود منها سلامة رأس المال والربح، وهؤلاء قد أضاعوا الطلبتين لأن رأس مالهم كان الفطرة السليمة، والعقل الصرف، فلما اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم، واختل عقلهم ولم يبق لهم رأس مال يتوسلون به إلى درك الحق، ونيل الكمال، فبقوا خاسرين آيسين من الربح فاقدين للأصل.