وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا
وابتلوا اليتامى اختبروهم قبل البلوغ بتتبع أحوالهم في صلاح الدين، والتهدي إلى ضبط المال وحسن التصرف، بأن يكل إليه مقدمات العقد. وعن
أبي حنيفة رحمه الله تعالى بأن يدفع إليه ما يتصرف فيه.
حتى إذا بلغوا النكاح حتى إذا بلغوا حد البلوغ بأن يحتلم، أو يستكمل خمس عشرة سنة عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام:
«إذا استكمل الولد خمس عشرة سنة، كتب ما له وما عليه وأقيمت عليه الحدود».
وثماني
[ ص: 61 ]
عشرة عند
أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وبلوغ النكاح كناية عن البلوغ، لأنه يصلح للنكاح عنده. فإن آنستم منهم رشدا فإن أبصرتم منهم رشدا. وقرئ أحستم بمعنى أحسستم. فادفعوا إليهم أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ، ونظم الآية أن إن الشرطية جواب إذا المتضمنة معنى الشرط، والجملة غاية الابتلاء فكأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم، وهو دليل على أنه لا يدفع إليهم ما لم يؤنس منهم الرشد. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إذا زادت على سن البلوغ سبع سنين وهي مدة معتبرة في تغير الأحوال، إذ الطفل يميز بعدها ويؤمر بالعبادة، دفع إليه المال وإن لم يؤنس منه الرشد. ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا مسرفين ومبادرين كبرهم، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم. ومن كان غنيا فليستعفف من أكلها. ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف بقدر حاجته وأجرة سعيه، ولفظ الاستعفاف والأكل بالمعروف مشعر بأن الولي له حق في مال الصبي، وعنه عليه الصلاة والسلام:
«أن رجلا قال له إن في حجري يتيما أفآكل من ماله؟ قال: كل بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله».
وإيراد هذا التقسيم بعد قوله: ولا تأكلوها يدل على أنه
نهي للأولياء أن يأخذوا وينفقوا على أنفسهم أموال اليتامى. فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم بأنهم قبضوها فإنه أنفى للتهمة وأبعد من الخصومة، ووجوب الضمان وظاهره يدل على أن القيم لا يصدق في دعواه إلا بالبينة وهو المختار عندنا وهو مذهب
مالك خلافا
لأبي حنيفة. وكفى بالله حسيبا محاسبا فلا تخالفوا ما أمرتم به ولا تتجاوزوا ما حد لكم.