ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله أخلص نفسه لله لا يعرف لها ربا سواه. وقيل بذل وجهه له في السجود وفي هذا الاستفهام تنبيه على أن ذلك منتهى ما تبلغه القوة البشرية.
وهو محسن آت بالحسنات تارك للسيئات.
واتبع ملة إبراهيم الموافقة لدين الإسلام المتفق على صحتها
حنيفا مائلا عن سائر الأديان، وهو حال من المتبع أو من الملة أو
إبراهيم. واتخذ الله إبراهيم خليلا اصطفاه وخصصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، وإنما أعاد ذكره ولم يضمر تفخيما لشأنه وتنصيصا على أنه الممدوح. والخلة من الخلال فإنه ود تخلل النفس وخالطها. وقيل من الخلل فإن كل واحد من الخليلين يسد خلل الآخر، أو
[ ص: 100 ] من الخل وهو الطريق في الرمل فإنهما يترافقان في الطريقة، أو من الخلة بمعنى الخصلة فإنهما يتوافقان في الخصال. والجملة استئناف جيء بها للترغيب في اتباع ملته صلى الله عليه وسلم والإيذان بأنه نهاية في الحسن وغاية كمال البشر.
روي
(أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتار منه فقال خليله: لو كان إبراهيم يريد لنفسه لفعلت، ولكن يريد للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس، فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملؤوا منها الغرائر حياء من الناس فلما أخبروا إبراهيم ساءه الخبر، فغلبته عيناه فنام وقامت سارة إلى غرارة منها فأخرجت حوارى واختبزت، فاستيقظ إبراهيم عليه السلام فاشتم رائحة الخبز فقال: من أين لكم هذا؟ فقالت: من خليلك المصري، فقال: بل هو من عند خليلي الله عز وجل فسماه الله خليلا .
ولله ما في السماوات وما في الأرض خلقا وملكا يختار منهما من يشاء وما يشاء. وقيل هو متصل بذكر العمال مقرر لوجوب طاعته على أهل السماوات والأرض، وكمال قدرته على مجازاتهم على الأعمال.
وكان الله بكل شيء محيطا إحاطة علم وقدرة فكان عالما بأعمالهم فيجازيهم على خيرها وشرها.