يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر أي صنيع الذين يقعون في الكفر سريعا أي في إظهاره إذا وجدوا منه فرصة.
من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم أي من المنافقين والباء متعلقة بقالوا لا بآمنا والواو تحتمل الحال والعطف.
ومن الذين هادوا عطف على من الذين قالوا،
سماعون للكذب خبر لمحذوف أي هم سماعون، والضمير للفريقين، أو للذين يسارعون ويجوز أن يكون مبتدأ ومن الذين خبره أي ومن اليهود قوم سماعون واللام في للكذب، إما مزيدة للتأكيد أو لتضمين السماع معنى القبول
[ ص: 127 ] أي قابلون لما تفتريه الأحبار، أو للعلة والمفعول محذوف أي: سماعون كلامك ليكذبوا عليك فيه.
سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي لجمع آخرين من اليهود لم يحضروا مجلسك وتجافوا عنك تكبرا وإفراطا في البغضاء، والمعنى على الوجهين أي مصغون لهم قابلون كلامهم، أو سماعون منك لأجلهم والإنهاء إليهم، ويجوز أن تتعلق اللام بالكذب لأن سماعون الثاني مكرر للتأكيد أي: سماعون ليكذبوا لقوم آخرين.
يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها، إما لفظا: بإهماله أو تغيير وضعه، وإما معنى: بحمله على غير المراد وإجرائه في غير مورده، والجملة صفة أخرى لقوم أو صفة لسماعون أو حال من الضمير فيه أو استئناف لا موضع له، أو في موضع الرفع خبر لمحذوف أي هم يحرفون وكذلك
يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه أي إن أوتيتم هذا المحرف فاقبلوه واعملوا به.
وإن لم تؤتوه بل أفتاكم محمد بخلافه
فاحذروا أي احذروا قبول ما أفتاكم به.
روي
(أن شريفا من خيبر زنى بشريفة وكانا محصنين فكرهوا رجمهما، فأرسلوهما مع رهط منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وقالوا: إن أمركم بالجلد والتحميم فاقبلوا وإن أمركم بالرجم فلا، فأمرهم بالرجم فأبوا عنه، فجعل ابن صوريا حكما بينه وبينهم، وقال له: أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر لموسى، ورفع فوقكم الطور، وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي أنزل عليكم كتابه وحلاله وحرامه هل تجدون فيه الرجم على من أحصن، قال: نعم. فوثبوا عليه فقال: خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزانيين فرجما عند باب المسجد .
ومن يرد الله فتنته ضلالته أو فضيحته
فلن تملك له من الله شيئا فلن تستطيع له من الله شيئا في دفعها.
أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم من الكفر وهو كما ترى نص على فساد قول
المعتزلة. لهم في الدنيا خزي هو أن بالجزية والخوف من المؤمنين.
ولهم في الآخرة عذاب عظيم وهو الخلود في النار، والضمير للذين هادوا إن استأنفت بقوله ومن الذين وإلا فللفريقين.