إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم
42 -
إذ أنتم إذ أنتم بدل من يوم الفرقان، أو التقدير: اذكروا إذ أنتم
بالعدوة شط الوادي، وبالكسر فيهما: مكي،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو الدنيا القربى إلى جهة
المدينة، تأنيث الأدنى
وهم بالعدوة القصوى البعدى عن
المدينة، تأنيث الأقصى. وكلتاهما فعلى من بنات الواو، والقياس قلب الواو ياء، كالعليا تأنيث الأعلى، وأما القصوى فكالقود في مجيئه على الأصل.
والركب أي: العير، وهو جمع راكب في المعنى.
أسفل منكم نصب على الظرف، أي: مكانا أسفل من مكانكم. يعني: في أسفل الوادي بثلاثة أميال، وهو مرفوع المحل; لأنه خبر المبتدأ.
ولو تواعدتم أنتم، وأهل
مكة، وتواضعتم بينكم على موعد تلتقون فيه للقتال
لاختلفتم في الميعاد لخالف بعضكم بعضا، فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد، وثبطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين. فلم يتفق لكم من التلاقي ما وفقه
[ ص: 647 ] الله، وسبب له "ولكن" جمع بينكم بلا ميعاد
ليقضي الله أمرا كان مفعولا من إعزاز دينه، وإعلاء كلمته، واللام تتعلق بمحذوف، أي: ليقضي الله أمرا كان ينبغي أن يفعل، وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه دبر ذلك. قال الشيخ
أبو منصور رحمه الله: القضاء يحتمل الحكم، أي: ليحكم ما قد علم أنه يكون كائنا، أو ليتم أمرا كان قد أراده -وما أراد كونه فهو مفعول لا محالة- وهو عز الإسلام وأهله، وذل الكفر وحزبه، ويتعلق بـ "يقضي"
ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة (حيي)
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع، nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو. فالإدغام لالتقاء المثلين، والإظهار; لأن حركة الثاني غير لازمة; لأنك تقول في المستقبل: يحيا، والإدغام أكثر، استعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام، أي: ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة، حتى لا يبقى له على الله حجة، ويصدر إسلام من أسلم أيضا عن يقين وعلم بأنه دين الحق، الذي يجب الدخول فيه، والتمسك به. وذلك أن وقعة
بدر من الآيات الواضحة التي من كفر بعدها كان مكابرا لنفسه، مغالطا لها، ولهذا ذكر فيها مراكز الفريقين، وأن العير كانت أسفل منهم، مع أنهم قد علموا ذلك كله مشاهدة; ليعلم الخلق: أن النصر والغلبة لا تكون بالكثرة والأسباب، بل بالله تعالى، وذلك: أن العدوة القصوى، التي أناخ بها المشركون، كان فيها الماء، وكانت أرضا لا بأس بها، ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل، ولا يمشى فيها إلا بتعب ومشقة، وكان العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم وعدتهم، وقلة المسلمين، وضعفهم، ثم كان ما كان
وإن الله لسميع لأقوالهم
عليم بكفر من كفر وعقابه، وبإيمان من آمن وثوابه.