يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون
189 -
قال nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يمتلئ ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا [ ص: 164 ] لا يكون على حالة واحدة كالشمس، فنزل يسألونك عن الأهلة جمع هلال، سمي به لرفع الناس أصواتهم عند رؤيته،
قل هي مواقيت للناس والحج أي: معالم يوقت بها الناس مزارعهم، ومتاجرهم، ومحال ديونهم، وصومهم، وفطرهم، وعدة نسائهم، وأيام حيضهن، ومدة حملهن، وغير ذلك، ومعالم للحج يعرف بها وقته. كان ناس من
الأنصار إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا، ولا دارا، ولا فسطاطا من باب، فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل ويخرج، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء، فنزل
وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها أي: ليس البر بتحرجكم من دخول الباب. ولا خلاف في رفع "البر" هنا; لأن الآية ثم تحتمل الوجهين كما بينا، فجاز الرفع والنصب ثم، وهذه لا تحتمل إلا وجها واحدا، وهو الرفع; إذ الباء لا تدخل إلا على خبر ليس.
ولكن البر بر
من اتقى ما حرم الله، (البيوت)، وبابه مدني وبصري
وحفص، وهو الأصل، مثل: كعب وكعوب، ومن كسر الباء فلمكان الياء بعدها، ولكن هي توجب الخروج من كسر إلى ضم، وكأنه قيل لهم عند سؤالهم عن الأهلة، وعن الحكمة في نقصانها، وتمامها: معلوم أن كل ما يفعله الله تعالى لا يكون إلا حكمة، فدعوا السؤال عنه، وانظروا في خصلة واحدة تفعلونها مما ليس من البر في شيء وأنتم تحسبونها برا، فهذا وجه اتصاله بما قبله، ويحتمل أن يكون ذلك على طريق الاستطراد لما ذكر أنها مواقيت الحج; لأنه كان من أفعالهم في الحج، ويحتمل أن يكون هذا تمثيلا لتعكيسهم في سؤالهم، وأن مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت ويدخل من ظهره، والمعنى: ليس البر وما ينبغي أن تكونوا عليه بأن تعكسوا في مسائلكم، ولكن البر بر من اتقى ذلك، وتجنبه، ولم يجسر على مثله
[ ص: 165 ] وأتوا البيوت من أبوابها وباشروا الأمور من وجوهها، التي يجب أن تباشر عليها، ولا تعكسوا، أو المراد: وجوب الاعتقاد بأن جميع أفعاله تعالى حكمة وصواب، من غير اختلاج شبهة، ولا اعتراض شك فى ذلك، حتى لا يسأل عنه; لما في السؤال من الاتهام بمقارفة الشك
لا يسأل عما يفعل وهم يسألون [الأنبياء: 23]
واتقوا الله فيما أمركم به، ونهاكم عنه،
لعلكم تفلحون لتفوزوا بالنعيم السرمدي.