حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم
3 - ثم بين ما كان أهل الجاهلية يأكلونه فقال:
حرمت عليكم الميتة أي:
البهيمة التي تموت حتف أنفها والدم أي: المسفوح، وهو السائل
ولحم الخنـزير وكله نجس، وإنما خص اللحم; لأنه معظم المقصود
وما أهل لغير الله به أي:
رفع الصوت به لغير الله، وهو قولهم: باسم اللات والعزى عند ذبحه
والمنخنقة التي خنقوها حتى ماتت، أو انخنقت بالشبكة، أو غيرها. والموقوذة التي أثخنوها ضربا بعصا، أو حجر، حتى ماتت. والمتردية التي تردت من جبل، أو في بئر فماتت. والنطيحة المنطوحة، وهي التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح. وما أكل السبع بعضه، ومات بجرحه.
إلا ما ذكيتم إلا
ما أدركتم ذكاته، وهو يضطرب اضطراب المذبوح. والاستثناء يرجع إلى المنخنقة وما بعدها، فإنه إذا أدركها وبها حياة، فذبحها، وسمى عليها حلت.
وما ذبح على النصب كانت لهم حجارة منصوبة حول
البيت [ ص: 426 ] يذبحون عليها يعظمونها بذلك، ويتقربون إليها تسمى: الأنصاب. واحدها: نصب، أو هو جمع، والواحد: نصاب.
وأن تستقسموا بالأزلام في موضع الرفع بالعطف على الميتة، أي: حرمت عليكم الميتة، وكذا وكذا،
والاستقسام بالأزلام: وهي القداح المعلمة واحدها زلم وزلم، كان أحدهم إذا أراد سفرا، أو غزوا، أو تجارة، أو نكاحا، أو غير ذلك يعمد إلى قداح ثلاثة، على واحد منها مكتوب: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني، والثالث غفل، فإن خرج الآمر مضى لحاجته، وإن خرج الناهي أمسك، وإن خرج الغفل أعاده، فمعنى الاستقسام بالأزلام: طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم له بالأزلام. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: لا فرق بين هذا وبين قول المنجمين: لا تخرج من أجل نجم كذا، واخرج لطلوع نجم كذا. و "في شرح التأويلات" رد هذا، وقال: لا يقول المنجم: إن نجم كذا يأمر بكذا، ونجم كذا ينهى عن كذا، كما كان فعل أولئك، ولكن المنجم جعل النجوم دلالات وعلامات على أحكام الله تعالى، ويجوز أن يجعل الله في النجوم معاني وأعلاما يدرك بها الأحكام، ويستخرج بها الأشياء، ولا لائمة في ذلك، إنما اللائمة عليه فيما يحكم على الله، ويشهد عليه. وقيل: هو الميسر، وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة.
ذلكم فسق الاستقسام بالأزلام خروج عن الطاعة، ويحتمل أن يعود إلى كل محرم في الآية
اليوم ظرف لـ "يئس". ولم يرد به يوم بعينه، وإنما معناه: الآن، وهذا كما تقول: أنا اليوم قد كبرت، تريد: الآن. وقيل: أريد يوم نزولها، وقد نزلت يوم الجمعة، وكان يوم
عرفة بعد العصر في حجة الوداع،
يئس الذين كفروا من دينكم يئسوا منه أن يبطلوه، أو يئسوا من دينكم أن يغلبوه; لأن
الله تعالى وفى بوعده من إظهاره على الدين كله فلا تخشوهم بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار، وانقلابهم مغلوبين بعد ما كانوا غالبين. (واخشون) بغير ياء في الوصل والوقف، أي: أخلصوا لي الخشية
اليوم ظرف لقوله:
أكملت لكم دينكم بأن كفيتكم خوف عدوكم، وأظهرتكم
[ ص: 427 ] عليهم، كما يقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك، أي: كفينا من كنا نخافه، أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام، والتوقيف على شرائع الإسلام وقوانين القياس.
وأتممت عليكم نعمتي بفتح
مكة، ودخولها آمنين ظاهرين، وهدم الجاهلية، ومناسكهم.
ورضيت لكم الإسلام دينا حال. اخترته لكم من بين الأديان، وآذنتكم بأنه هو
الدين المرضي وحده. ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه [آل عمران: 85]
فمن اضطر متصل بذكر المحرمات. وقوله:
ذلكم فسق اعتراض أكد به معنى التحريم. وكذا ما بعده; لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة، والإسلام المنعوت بالرضا دون غيره من الملل، ومعناه: فمن
اضطر إلى الميتة، أو إلى غيرها
في مخمصة مجاعة
غير حال
متجانف لإثم مائل إلى إثم، أي: غير متجاوز سد الرمق
فإن الله غفور رحيم لا يؤاخذه بذلك
رحيم بإباحة المحظور للمعذور.