قوله عز وجل:
قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون [ ص: 316 ] أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتوقيفهم على هذه الأشياء التي لا يمكنهم إلا الإقرار بها، ويلزم من الإقرار بها أن يؤمنوا ببارئها ويذعنوا لشرعه ورسالة رسوله.
وقرأ الجميع في الأول: "لله" بلا خلاف، واختلف في الثاني والثالث، فقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو : "لله" جوابا على اللفظ، وقرأ باقي السبعة: "لله" جوابا على المعنى، كأنه قال في السؤال: لمن ملك السماوات السبع؟ إذ قولك: لمن هذه الدار؟ وقولك: من مالك هذه الدار؟ واحد في المعنى.
ثم جعل التوبيخ مدرجا بحسب وضوح الحجة شيئا شيئا، فوقف على الأرض ومن فيها وجعل بإزاء ذلك التذكر، ثم وقف على السماوات السبع والعرش وجعل بإزاء ذلك التقية وهي أبلغ من التذكر، وهذا بحسب وضوح الحجة، وفي قوله:
أفلا تتقون وعيد، ثم وقف على ملكوت كل شيء، وفي الإقرار بهذا التزام كل ما تقع به الغلبة في الاحتجاج، فوقع التوبيخ بعد في غاية البلاغة بقوله:
فأنى تسحرون . ومعنى "أنى": كيف؟ ومن أين؟، وفي هذا تقرير سحرهم، وهو سؤال عن الهيئة التي سحروا بها، والسحر هنا مستعار لهم، وهو تشبيه لما وقع منهم من التخليط ووضع الأفعال والأقوال غير مواضعها بما يقع من المسحور، عبر عنهم بذلك. وقالت فرقة: "تسحرون" معناه: تمنعون، وحكى بعضهم ذلك لغة.
وقرأ
ابن محيصن : "العظيم" برفع الميم، و "ملكوت" مصدر في بناء مبالغة. و "الإجارة": المنع من الإنسان، والمعنى أن الله تبارك وتعالى إذا منع أحدا فلا يقدر عليه، وإذا أراد أحدا فلا مانع له، وكذلك في سائر قدرته وما نفذ من قضائه، لا يعارض ذلك شيء ولا يحيله عن مجراه.
[ ص: 317 ]