قوله عز وجل:
الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين
في هذه الآية أربعة أوجه من التأويل:
أحدها أن يكون مقصد الآية تشنيع وتبشيع أمره، وأنه محرم على المؤمنين، واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ، ويريد بقوله سبحانه: "لا ينكح" أي لا يطأ، فيكون النكاح بمعنى الجماع، وردد القصة مبالغة وأخذا من كلا الطرفين، ثم زاد تقسيم المشرك والمشركة من حيث الشرك أعم في المعاصي من الزنى، فالمعنى: الزاني لا يطأ في وقت زناه إلا زانية من المسلمين أو من هي أخس منها من المشركات، وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه أن النكاح في هذه الآية الوطء، وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وقال: لا يعرف النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزويج.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وليس كما قال، وفي القرآن
حتى تنكح زوجا غيره ، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم أنه بمعنى الوطء، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ما ينحو إلى هذا التأويل عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ، ولكن غير مخلص ولا مكمل.
والثاني أن تكون الآية نزلت في قوم مخصوصين، وهذا قول روي معناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، قالوا: وهم قوم كانوا يزنون في جاهليتهم ببغايا مشهورات، فلما جاء الإسلام وأسلموا لم يمكنهم الزنى، فأرادوا لفقرهم- زواج أولئك النسوة; إذ كان من عادتهن الإنفاق على من ارتسم بزواجهن، فنزلت الآية بسببهن، والإشارة بـ "الزاني" إلى أحد أولئك، حمل عليه اسم الزنى الذي كان في الجاهلية، وقوله تعالى:
لا ينكح أي لا يتزوج، وفي الآية -على هذا التأويل- معنى التفجع عليهم، وفي ذلك توبيخ كأنه يقول: أي مصاب؟ الزاني لا يريد أن يتزوج إلا زانية أو مشركة، أي: تنزع نفوسهم إلى هذه الخسائس لقلة انضباطهم. ويرد على هذا التأويل الإجماع على أن
الزانية لا يجوز أن يتزوجها مشرك، ثم قوله:
[ ص: 337 ] وحرم ذلك على المؤمنين أي نكاح أولئك البغايا، فيزعم أهل هذا التأويل أن نكاح أولئك البغايا حرمه الله تعالى على أمة
محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أشهرهن
عناق البغي ، وكان الذي هم بتزوجها
دلدل ، كان يستخرج ضعفة المسلمين من
مكة سرا، ففطنت له ودعته إلى نفسها فأبى الزنى وأراد التزويج، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية، ولما دعته وأبى قالت له: أنى تبرز؟ والله لأفضحنك؟، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أن من البغايا المذكورات
أم مهزول جارية
السائب المخزومي ، ويقال فيها:
أم مهزوم ،
وأم غليظ جارية
صفوان بن أمية ،
وحنة القبطية جارية
العاصي بن وائل ،
ومزنة جارية
مالك بن عميلة بن سباق بن عبد الدار ،
وجلالة جارية سهيل بن عمرو ،
وأم سويد جارية
عمرو بن عثمان المخزومي ،
وشريفة جارية
زمعة بن الأسود ،
وفرسة جارية
هشام بن ربيعة ،
وقريبا جارية هلال بن أنس ، وغيرهن ممن كانت لهن رايات تعرف منازلهن بها، وكذلك كان
بالمدينة إماء
عبد الله بن أبي وغيره مشهورات.
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في سياق هذا التأويل: كانت بيوت في الجاهلية تسمى المواخير، كانوا يؤجرون فيها فتياتهم، وكانت معلومة للزنى، فحرم الله ذلك على المؤمنين .
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
ويحتمل أن يكون هذا الكلام في التأويل الذي ذكرته قبل هذا. وواحد المواخير:
[ ص: 338 ] ماخور، ومنه قول بعض المحدثين:
في كل واد هبطنا فيه دسكرة في كل نشز صعدنا فيه ماخور
والتأويل الثالث ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، وذلك أنه قال: المراد الزاني المحدود والزانية المحدودة، قال: وهذا حكم من الله تعالى، فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة، وروي أن محدودا تزوج غير محدودة فرد
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب نكاحهما، وقوله تعالى:
وحرم ذلك على المؤمنين يريد الزنى، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14431الزهراوي في ذلك حديثا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=673679لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ، وهذا حديث لا يصح، وقول فيه نظر، وإدخال "المشرك" في الآية يرده، وألفاظ الآية تأباه وإن قدرت "المشركة" بمعنى الكتابية فلا حيلة في لفظ المشرك.
والرابع قد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، وذلك أنه قال: هذا حكم كان في الزناة عامة، ألا يتزوج زان إلا زانية، ثم جاءت الرخصة ونسخ ذلك بقوله تعالى:
وأنكحوا الأيامى منكم ، وروي ترتيب هذا النسخ أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، إلا أنه قال: إن التحريم كان في أولئك النفر خاصة لا في الزناة عامة، ذكر ذلك عنهما
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة في ناسخه، وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه قال: حرم نكاح أولئك البغايا على أولئك النفر.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وذكر "الإشراك" في الآية يضعف هذه المناحي.
وقرأ
أبو البرهشيم : "وحرم الله ذلك على المؤمنين".
واختلف فيمن
زنى بامرأة ثم أراد نكاحها فأجاز ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق ،
nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب ،
nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ،
[ ص: 339 ] nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . ومنعه
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=48والبراء بن عازب ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ، وقالوا: لا يزالان زانيين ما اجتمعا.