قوله عز وجل:
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم
سبب هذه الآية فيما ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16558عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فنزلت هذه الآية ، ثم هي عامة في الأمة غابر الدهر من حيث هذه النازلة تختص بكل أحد في نفسه، وبيت الإنسان هو البيت الذي لا أحد معه فيه، أو البيت الذي فيه زوجته وأمته، وما عدا هذا فهو غير بيته، قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه وغيره:
ينبغي للإنسان ألا يدخل البيت الذي فيه أمه إلا بعد الاستئناس. وروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=708727أن رجلا قال: يا رسول الله، استأذن على أمي؟ قال: نعم. قال: إنما هي أمي ولا خادم لها غيري، قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: فاستأذن عليها ، وكذلك كل
[ ص: 368 ] ذات محرم منه لأنه لا ينبغي أن يراهن عاريات، وقالت
زينب امرأة ابن مسعود : كان
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود إذا جاء بيته تنحنح مخافة أن يهجم على ما يكره.
و "تستأنسوا" معناه: تستعملوا، أي: تستعلموا من في البيت وتستبصروا، تقول: آنست إذا علمت عن حس وإذا أبصرت، ومنه قوله تعالى:
آنستم منهم رشدا فادفعوا ، وقوله: " آنست نارا " ، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت :
انظر خليلي بباب جلق هل تؤنس دون البلقاء من أحد
وقول
الحارث :
آنست نبأة .... البيت .........................
ووزن آنس: أفعل، واستأنس وزنه: استفعل، فكأن المعنى في "تستأنسون": تطلبون ما يؤنسكم ويؤنس أهل البيت منكم، وإذا طلب الإنسان أن يعلم أمر البيت الذي يريد دخوله فذلك يكون بالاستئذان على من فيه، أو بأن يتنحنح ويشعر بنفسه بأي وجه أمكنه، ويتأنى قدر ما يتحفظ، ويدخل إثر ذلك.
[ ص: 369 ] وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في "تستأنسوا" إلى أنه بمعنى: حتى تؤنسوا أهل البيت من أنفسكم بالتنحنح والاستئذان ونحوه، وتؤنسوا أنفسكم بأن تعلموا أن قد شهر بكم. وتصريف الفعل يأبى أن يكون من آنس.
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ: "حتى تستأذنوا وتسلموا"، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، وحكاها
nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم "حتى تسلموا وتستأذنوا"، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "تستأنسوا" خطأ أو وهم من الكتاب.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها "تستأنسوا"، وصح الإجماع فيها من لدن مدة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه، فهي التي لا يجوز خلافها، والقراءة "يستأذنوا" ضعيفة، وإطلاق الخطأ والوهم على الكتاب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما، والأشبه أن يقع "تستأذنوا" على التفسير، وظاهر ما حكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أنها قراءة، ولكن قد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: "تستأنسوا" بمعنى: تستأذنوا، ومما ينفي هذا القول عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما أن "تستأنسوا" متمكنة في المعنى، بينة الوجه في كلام
العرب ، وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=681062قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه للنبي عليه السلام : أستأنس يا رسول الله؟ nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر واقف على باب الغرفة... الحديث المشهور، وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به صلى الله عليه وسلم، فكيف يخطئ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله
[ ص: 370 ] عنهما أصحاب الرسول صلوات الله وسلامه عليه في مثل هذا؟
وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري أيضا بسند عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن بن أبي الحسن أنهم قالوا: نسخ واستثني من هذه الآية الأولى قوله تعالى:
ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة ، وهذا أيضا لا يترتب فيه نسخ ولا استثناء; لأن الآية الأولى في البيوت المسكونة والمقصورة، والآية الثانية في المباحة، وكأن من ذهب إلى الاستثناء رأى الأولى عامة.
وصورة الاستئذان أن يقول الرجل: السلام عليكم، أدخل؟ فإن أذن له دخل، وإن أمر بالرجوع انصرف، وإن سكت عنه استأذن ثلاثا ثم ينصرف بعد الثلاث، فأما ثبوت ما ذكرته من صورة الاستئذان فروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري nindex.php?page=hadith&LINKID=102418أن رجلا جاء إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألج؟ أو أنلج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة : "قولي لهذا: يقول: السلام عليكم، أدخل؟"، فسمعه الرجل فقالها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ادخل" . وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما آذته الرمضاء يوما فأتى فسطاط امرأة من
قريش ، فقال: السلام عليكم، أدخل؟ فقالت المرأة: ادخل بسلام، فأعاد فأعادت، فقال لها: قولي: ادخل، فقالت ذلك فدخل ، فكأنه توقف لما قالت: بسلام; لاحتمال اللفظ أن تريد: ادخل بسلامك لا بشخصك. ثم لكل قوم في الاستئذان عرفهم في العبارة. وأما ثبوت الرجوع بعد الاستئذان ثلاثا فلحديث
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري الذي استعمله مع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه، وشهد به
لأبي موسى nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري ، ثم
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب .. الحديث المشهور، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح : الاستئذان واجب على كل محتلم، وسيأتي ذكر
[ ص: 371 ] هذا. وروى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=843584رسول الرجل إذنه ، أي: إذا أرسل في أحد فقد أذن له في الدخول. وقوله:
ذلكم خير لكم تم الكلام عنده، وقوله:
لعلكم تذكرون معناه: فعلنا ذلك بكم ونبهناكم لعلكم.
والضمير في قوله:
فإن لم تجدوا فيها للبيوت التي هي بيوت الغير، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنه قال: معنى قوله:
فإن لم تجدوا فيها أحدا : إن لم يكن لكم فيها متاع، وضعف
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري هذا التأويل، وكذلك هو في غاية الضعف، وكأن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا رأى أن البيوت غير المسكونة إنما تدخل دون إذن إذا كان فيها للداخل متاع، ورأى لفظة "المتاع" متاع البيت الذي هو البسط والثياب، وهذا كله ضعيف.
وأسند
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أنه قال: قال رجل من
المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها، أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي: ارجع، فأرجع وأنا مغتبط لقوله تعالى: " وإن قيل لكم ارجعوا هو أزكى لكم " .
وقوله تعالى:
والله بما تعملون عليم توعد لأهل التجسس على البيوت وطلب الدخول على غفلة للمعاصي والنظر إلى ما لا يحل، ولغيرهم مما يقع في محظور.