قوله عز وجل:
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم
"إنما" في هذه الآية للحصر، اقتضى ذلك المعنى; لأنه لا يتم إيمان إلا بأن يؤمن المرء بالله ورسوله، وبأن يكون من الرسول سامعا غير معنت في أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أمرا فيريد هو إفساده بزواله في وقت الجمع ونحو ذلك.
و "الأمر الجامع" يراد به ما للإمام حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة، فأدب الإسلام اللازم في ذلك -إذا كان الأمر حاضرا- ألا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه، فإذا ذهب بإذن ارتفع عنه الظن السيئ، والإمام الذي يرتقب إذنه في هذه الآية هو إمام الإمرة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول ،
nindex.php?page=showalam&ids=14431والزهراوي : الجمعة من الأمر الجامع،
وإمام الصلاة ينبغي أن يستأذن إذا قدمه إمام الإمرة إذا كان يرى المستأذن، ومشى بعض الناس دهرا على استئذان إمام الصلاة، وروي أن
هرم بن حبان كان يخطب، فقام رجل فوضع يده على أنفه، وأشار إلى
هرم بالاستئذان فأذن له، فلما قضيت الصلاة كشف عن أمره أنه إنما ذهب لغير ضرورة، فقال
هرم : اللهم أخر رجال السوء لزمان السوء.
وظاهر الآية إنما يقتضي أن يستأذن أمير الإمرة الذي هو في مقعد النبوة; فإنه ربما كان له رأي في حبس ذلك الرجل لأمر من أمور الدين، فأما إمام الصلاة فقط فليس ذلك إليه; لأنه وكيل على جزء من أجزاء الدين للذي هو في مقعد النبوة.
[ ص: 414 ] ثم أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأذن لمن عرف منه صحة العذر وهم الذين يشاء.
وروي أن هذه الآية نزلت في وقت حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم خندق
المدينة ، وذلك أن بعض المؤمنين كان يستأذن لضرورة، وكان المنافقون يذهبون دون استئذان، فأخرج الله تعالى الذين لا يستأذنون عن صنيفة المؤمنين، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن للمؤمن الذي لا تدعوه ضرورة إلى حبسه، وهو الذي يشاء، ثم أمره بالاستغفار لصنفي المؤمنين من أذن له ومن لم يؤذن له، وفي ذلك تأنيس للمؤمنين ورأفة بهم.