[ ص: 419 ] قوله عز وجل:
وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا
الضمير في قوله: "قالوا"
لقريش ، وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس مشهود، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في السير، وغيره، مضمنه أن سادتهم
عتبة وغيره- اجتمعوا معه، فقالوا: يا
محمد ، إن كنت تحب الرياسة وليناك علينا، وإن كنت تحب المال جمعنا لك من أموالنا. فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا في باب الاحتجاج عليه، فقالوا له: ما بالك -وأنت رسول من الله- تأكل الطعام، وتقف بالأسواق تريد التماس الرزق؟ أي: من كان رسول الله مستغن عن جميع ذلك، ثم قالوا له: سل ربك أن ينزل معك ملكا ينذر معك، أو يلقي إليك كنزا تنفق منه، أو يرد لك جبال
مكة ذهبا، أو تزال الجبال ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه، وأشاعوا هذه المحاجة، فنزلت هذه الآية.
وكتبت اللام مفردة من قولهم: "مال هذا" إما لأن على المصحف قطع لفظه فاتبعه الكاتب; وإما لأنهم رأوا أن حروف الجر بإنهاء الاتصال، نحو من، وفي، وعن، وعلى. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر : "يأكل منها" بالياء، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي "نأكل" بالنون، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب ،
nindex.php?page=showalam&ids=16258وابن مصرف ،
وسليمان بن مهران . ثم أخبر تعالى عنهم -وهم الظالمون الذين أشير إليهم- أنهم
[ ص: 420 ] قالوا -حين يئسوا من
محمد صلى الله عليه وسلم-:
إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ، يجوز أن يكون من السحر وهي الرئة، فكأنهم ذهبوا إلى تحقيره، أي: رجل منكم في الخلقة، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=17141مكي وغيره. ثم نبهه الله تعالى مسليا عن مقالتهم فقال:
انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا ، أي: أخطؤوا الطريق فلا يجدون سبيلا لهداية، ولا يطيقونه لتلبسهم بضده من الضلال.
وقوله تعالى:
تبارك الذي الآية، رجوع بأمور
محمد صلى الله عليه وسلم إلى الله، أي: هذه جهتك، لا هؤلاء الضالون في أمرك، والإشارة بـ "ذلك" قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : هي إلى ما ذكره الكفار من الكنز والجنة في الدنيا، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: هي إلى أكله الطعام ومشيه في الأسواق، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : والأول أظهر.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
لأن التأويل الثاني يوهم أن الجنات والقصور التي في هذه الآية -وهذا تأويل
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي وغيره- يرده قوله بعد ذلك:
بل كذبوا بالساعة ، والكل محتمل.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر وحفص ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبي عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : "ويجعل" بالجزم، على العطف على موضع الجواب في قوله: "جعل"; لأن التقدير: إن يشأ يجعل. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم أيضا،
nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر : "ويجعل" بالرفع والاستئناف، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، ووجهه العطف على المعنى في قوله: "جعل"; لأن جواب الشرط هو موضع استئناف، ألا ترى أن الجمل من الابتداء والخبر قد تقع موقع جواب الشرط؟ وقرأ
عبد الله بن موسى ،
وطلحة بن سليمان : "ويجعل" بالنصب،
[ ص: 421 ] وهي على تقدير "أن" في صدر الكلام، قال
أبو الفتح : هي على جواب الجزاء، قالوا: وهي قراءة ضعيفة، وأدغم
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج [جعل لك] و "يجعل لك"، وروي ذلك عن
ابن محيصن .
و "القصور": البيوت المبنية بالجدران، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وغيره، فكانت
العرب تسمي ما كان من الشعر والصوف والقصب بيتا، وتسمي ما كان بالجدران قصرا; لأنه قصر عن الداخلين.